عمار علي حسن

لجأ «داعش» إلى تجنيد الأطفال لتحقيق عدة أهداف، أولها تعويض نقص المقاتلين في ظل امتداد خطوط المواجهة بين التنظيم وبين مناوئيه، أو الراغبين في استئصاله، لمساحات شاسعة، وعلى جبهات مختلفة. وقد زادت هذه الحاجة مع تصاعد التنسيق الدولي الذي يجري إلى مواجهة شاملة للتنظيم، بعد أن استفحل خطره وطال الجميع. ولكن يبدو أن هناك ما هو أبعد من التعويض في هذا الخصوص، إذ تشي التدريبات التي تجري لهؤلاء الأطفال أنهم يُعدُّون بالطريقة نفسها التي يعمل بها المقاتلون من الكبار، الأمر الذي يشكك، ولو قليلاً، في أن «داعش» قد لجأ إلى الصغار كحل أخير بعد مقتل أغلب محاربيه من الرجال في المعارك الضارية المتتالية.

وثاني الأهداف هو ربط أجيال جديدة بالتنظيم، فأطفال اليوم هم شباب الغد، ويراهن «داعش» عليهم في أن يكونوا مقاتلين مدربين على مستوى رفيع في المستقبل، ولاسيما أن حداثة سنهم تعطي قادة التنظيم فرصة قوية لتنشئتهم على أفكاره ومعتقداته الدينية والقتالية وتصوراته ومدركاته المنحرفة.

ويبدو أن عملية الربط تلك تدور بشكل ممنهج، وفي أماكن عدة، سواء داخل المناطق التي يهمين عليها التنظيم، أو حتى خارجها، والدليل مداهمة قوات الأمن التركية خلال حملة ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في حي «أولوجانلار» بالعاصمة أنقرة لمبنى مؤلف من خمسة طوابق، يعرفه الناس على أنه مكتبة، ويستخدمه التنظيم الإرهابي في تدريب الأطفال. وتبين أن نحو 30 طفلاً من بينهم 25 فتاة تتراوح أعمارهم بين 9 و17عاماً يبيتون في شقق هذا المبنى لتلقي التدريبات على يد عناصر من «داعش».

أما الثالث فهو أن الأطفال يتيحون للقادة الميدانيين في التنظيم فرصة للتمويه على أعدائهم وخداعهم، إذ يسهل استخدام الصغار في بعض العمليات الانتحارية النوعية دون أن يلفتوا الانتباه، ويثيروا الشكوك. وقد لا يستمر هذا التمويه طويلًا، فأحياناً يجد الطفل الانتحاري نفسه في حاجة إلى أن يظهر تماماً لأعداء «داعش»، وهي مسألة تجسدها ظاهرة «الانغماسيين»، حيث ينخرط الأطفال أو الصبية بكل كيانهم في عملية قتالية خلف خطوط العدو، ويفتحون النار بلا حذر ولا تحسب، فتكون النتيجة أن يلقوا مصرعهم في النهاية.

والرابع هو ربط أسر الأطفال بالتنظيم، فقد انتقل بعض المنتمين له إلى الأرض التي يسيطر عليها التنظيم مع زوجاتهم وأطفالهم. وهناك من تزوجوا بعد وصولهم وأنجبوا أطفالًا. ولعل حالة الفرنسيين في صفوف «داعش» تقدم مثلاً واضحاً في هذه الناحية، فهناك 400 طفل فرنسي موجودين في صفوف «داعش»، ثلثاهم ذهبوا مع الوالدين، والثلث الآخر ولدوا هناك، وحين يشبُّون عن الطوق سيجدون أنفسهم بين الدواعش، لينخرطوا طواعية في صفوفهم.

فبعض هؤلاء الأطفال لا يؤخذون إلى التدريب العسكري عنوة، وإنما يتم الاتفاق مع أسرهم على مقابل مادي لقاء انضمامهم إلى ميليشيات «داعش»، وبذا فهم في نظر التنظيم وإدراك ذويهم مرتزقة، وهذا مسلك انتهجته التنظيمات المتطرفة من قبل في ميادين قتال عديدة. وبعض الأسر ترسل أطفالها راضية لأنها تعتقد في أن هذا «جهاد».

وفي حال إجبار بعض الأطفال على الانضمام لـ«داعش» فإن التنظيم يربط ذويهم عنوة به، ويخضعهم له، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان ظاهرة «الرهينة» التي سادت في اليمن قروناً، ولا تزال تمارس أحياناً إلى يومنا هذا. حيث كان بعض الحكام يأخذون أبناء شيوخ القبائل رهائن ليضمنوا خضوعهم، إذ إن تمردهم معناه ببساطة تعريض حياة أولادهم للخطر. ويشبه هذا أيضاً ما كان يفعله العثمانيون في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي، حين كان يتم خطف الأطفال، وضمهم إجبارياً إلى صفوف الانكشارية، حيث يتلقون مناهج تجعل ولاءهم للدولة، وتدريبات عسكرية على مختلف فنون القتال.

والهدف الخامس هو أن توظيف صغار السن في العمليات الميدانية يعطي فرصة للتنظيم كي يسوق بعض صور ضحايا حروبه من الأطفال في دعايته الرامية إلى تشويه خصومه. وأحياناً يقدم هؤلاء إلى الرأي العام الدولي بوصفهم من المدنيين الذي أسقطهم أعداء «داعش». ولا يعني هذا بالطبع أن الضحايا المدنيين بالفعل ليس من بينهم أطفال، ولكن يتم خلط الأمور على النحو الذي يخدم الدعاية الداعشية الفجة.

وأخيراً يأتي الهدف السادس في أن توظيف «داعش» للأطفال في عمليات التنظيم يساعد في حصده نقاطاً إضافية في الحرب النفسية التي يشنها ضد مناوئيه، إذ يقول لهم عبر الصور الملتقطة والمبثوثة لهؤلاء الصغار، وهم يحملون أسلحة من مختلف الأنواع، ويتدربون على عمليات انتحارية، أو حتى يحضرون دروس تلقينهم بعض تصورات التنظيم وأفكاره، بأن «داعش» متجذر في الأرض التي يسيطر عليها.