كاثرين هيلي من موسكو

خلال موسم الانتخابات في معظم البلدان، سيصبح أي تسرب مشتبه فيه من منشأة نووية الخبر الرئيسي. في العادة يزور المرشحون المنافسون للرئاسة المنطقة، ويتحدثون مع الناخبين الفزعين ويحققون في أداء الحكومة، واعدين بإصلاح الخلل بأسرع ما يمكن، وتقديم المسؤولين المقصرين للقضاء مع التشديد على إلحاق عقوبات راداعة بحقهم.

في تشيليابينسك، المنطقة الروسية التي يبدو أن سحابة مشعة ضخمة قد نشأت فيها خلال أيلول (سبتمبر) الماضي، كان المنافس الوحيد الذي جاء إلى الموقع هو أليكسي نافالني، مرشح المعارضة الذي من المرجح أن يمنع من خوض الانتخابات الرئاسية المقررة في آذار (مارس) المقبل.

في تجمع في تشيليابينسك قبل أسبوع، أكد نافالني أن المرشحين "في بلد طبيعي" من شأنهم أن يتقاطروا إلى البلدة، فقابله الحشد بصمت محير. تساءل نافالني: "هناك حملة انتخابية تجري الآن، أليس كذلك؟ أنتم لا تشعرون بها، صحيح؟".

في الواقع، بعد 18 عاما من تولي فلاديمير بوتين منصب الرئيس، فإن المواقف تجاه الانتخابات تتراوح من عدم الاهتمام إلى الاستخفاف بها. معظم الروس العاديين يعتبرون أي نتيجة أخرى غير انتصار بوتين لا يمكن تصورها، ويجد الخبراء الاستشاريون في الكرملين صعوبة في التظاهر حتى بوجود سباق على الرئاسة.

ومع ذلك، فإن انتخابات آذار (مارس) المقبل، تتخذ الآن شكل حلقة فاصلة لمستقبل روسيا السياسي. تحت سطح انتصار بوتين المتوقع، هناك نشاط محموم وتكهنات حول مستقبل الرئيس، وحول إمكانية حدوث تغييرات دستورية واسعة، بل حتى حول مدى السيطرة التي يمارسها بوتين على الأحداث اليومية.

يقول نيكولاي بيتروف المحلل السياسي: "المسألة ليست من هو الشخص الذي يختاره الناخبون لقيادة البلاد على مدى السنوات الست المقبلة، بل بالأحرى ما إذا كان بوتين سيسلم السلطة إلى خلفه، ومتى وكيف".

حتى الآن، بوتين يُبقي الجميع في حالة تخمين. في تناقض صارخ مع نافالني الذي أطلق حملته منذ نحو عام، على الرغم من أنه من شبه المؤكد أنه سيتم رفض تسجيله الرسمي كمرشح، بسبب إدانة جنائية حول ما يقول إنه اتهامات ملفقة. والواقع أن الرئيس لم يعلن حتى الآن إن كان يعتزم الترشح أصلا.

وقال بيتروف: "تحول بوتين إلى شخصية سياسية مختلفة خلال السنوات القليلة الماضية. هو الآن vozhd "، مستخدما الكلمة التي تعني "زعيم" التي لم تكن متداولة منذ الديكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين.

يجادل بيتروف بأن تصنيفات دعم بوتين التي تصل إلى عنان السماء تستند إلى حد كبير على مكانته كقائد عسكري، وقد حصل على ذلك من خلال ألعاب القوة الجيوسياسية، بما في ذلك ضم القرم والحملة العسكرية في سورية.

وكما يقول: "من المستحيل تجاوز هذا المستوى من التمجيد في الانتخابات، لذلك أي نتيجة للانتخابات ربما تبدو وكأنها خطوة إلى الوراء من هنا".

لا يوجد نقص في المرشحين للانتخابات، بما في ذلك الزعيم الوطني ذو الخطابات النارية فلاديمير جرينوفسكي، والزعيم الشيوعي جينادي زيوجانوف، والشخصية الاجتماعية البارزة كسينيا سوبتشاك التي تبلغ من العمر 36 عاما.

إلا أنه في غياب بيان واضح عن نية الرئيس، فإن موسكو تغلي بشائعات تقول إن بوتين قد يرتب لخلف له للترشح في انتخابات آذار (مارس) المقبل، – سواء كان ملازمه المخلص، رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، أو واحد من الحراس الشخصيين السابقين غير المعروفين كثيرا، الذين أعطاهم مناصب حكام المقاطعات في العام الماضي.

ومع ذلك يبدو هذا السيناريو الآن مستبعدا إلى حد كبير. يجب أن يعلَن رسميا عن مرشح الكرملين في مطلع كانون الثاني (يناير) المقبل.

وهذا لا يترك أي وقت لإطلاق مرشح بديل. وقال اليكسي تشيسناكوف، مدير مجموعة الاستشارات السياسية "مركز السياسة الحالية" ومسؤول سابق في الكرملين: "بوتين يقوم فقط بتأخير ذلك لأطول فترة ممكنة، لأنه حين تكون الحملة قصيرة فإن هذا يتيح له أقصى قدر من المرونة".

غير أن تغييرات كبيرة تلوح في الأفق بعد إعادة انتخاب بوتين. يعتقد كل من المقربين من الكرملين والمراقبون المستقلون أن الكرملين سيبدأ في تعديل الدستور في العام المقبل، لضمان مستقبل بوتين على المدى الطويل، أي إلى ما بعد ما يمكن أن يكون آخر فترة له بموجب القواعد الحالية.

فشل "التحصين".. روسيا ليست الصين ولا أمريكا
في الشهر الماضي كتب أليكسي فينيديكتوف رئيس تحرير إذاعة صدى موسكو على خدمة الرسائل تلجرام: "أنا مقتنع تماما أن فلاديمير فلاديميروفيتش (بوتين) لن يتخلى عن السلطة، ولا في عام 2024. هذا يعني أن من الضروري إعادة تشكيل الحكم ونقل السلطة الرئيسية إلى مؤسسة أخرى غير منصب الرئاسة".

يحدد الدستور الروسي ترشيح أي رئيس لفترة ولايتين متتاليتين. وتحايل بوتين على هذا التقييد في عام 2008 من خلال ترشيح ميدفيديف للرئاسة، في حين شغل هو منصب رئيس الوزراء، قبل أن يعود للرئاسة في عام 2012.

تكرار هذه المناورة، المعروفة على نطاق واسع في موسكو بأنها "تحصين" كما في الشطرنج، في عام 2024، لا يُنظر إليها على أنها خيار.
تقول تاتيانا ستانوفايا، مديرة الإدارة التحليلية في "مركز التكنولوجيات السياسية": "في عام 2008 كان يعلم أنه سيعود، ولكن في عام 2024 سيكون رجلا عجوزا. وهو يعلم أنه إذا أراد فسيستخدم حيلة "التحصين" مرة أخرى لأنه سيكون تحت الحصار، كما أنهم قد يقاومونه عندما يحاول التدخل خلال الفترة الفاصلة".

واحدة من الأفكار قيد المناقشة هي تحويل مجلس الدولة، وهو هيئة استشارية للرئيس أنشئت تحت حكم بوتين، ليصبح الهيئة الحاكمة الرئيسية القوية على غرار هيكل الحكومة المركزية الصينية. هذا من شأنه أن يتيح لبوتين أن يصبح رئيس مجلس الدولة، وهو ما سيحرره من قيود فترة الحكم.

وقال شخص مطلع على المناقشات حول هذا الاقتراح: "يمكن أن تستمر الرئاسة في وجود رئيس دولة شكلي، أو أن تلغى تماما. يمكنك أيضا أن تسميها نموذج ’بوتين إلى الأبد‘."

ومع ذلك، يعتقد بعض المراقبين أن هذا التغيير الجذري سيكون محفوفا بالمخاطر بالنسبة لبوتين. وقال بيتروف: "أسلوب قيادته تطور بطريقة مشابهة للصين تحت حكم تشي جين بينج، ولكن سيكون من الخطأ تجربة ونسخ النظام الصيني.

ربما يفكرون في كيفية السماح له بالحفاظ على نفوذ معين حتى بعد التقاعد الرسمي، ولكن هذا أمر محفوف بالمخاطر أيضا لأن روسيا، بخلاف الصين، ليست لديها خبرة مع القيادة غير الرسمية."

وضع الأساس لبوتين للحفاظ على النفوذ حتى بعد انتهاء فترة رئاسته المقبلة ليس هو المحرك الوحيد للعصف الذهني المحموم. سبب آخر هو الطريقة التي سار عليها بوتين في الحكم في السنوات الأخيرة، وخاصة في المسائل الداخلية.

يقول أحد الأشخاص الذين عرفت أسرته بوتين منذ فترة طويلة: "أنا أختلف بشدة مع هذا الحديث الخبيث الذي يقول إن رئيسنا يعد نفسه ليكون ’الزعيم‘، لكنه غيَّر الطريقة التي يعمل بها خلال السنتين أو الثلاث الماضية".

المهم أكثر من ذلك، أنه يركز حقا على مصالح بلادنا العالمية وأمنها، وهو يترك التفاصيل الجوهرية بشأن القضايا المحلية للآخرين. وهذا لا ينعكس في هيكلنا المؤسسي بطريقة مثالية.

الناس الذين هم على دراية بمناقشات الإصلاح يقولون إن أعضاء الدائرة الداخلية لبوتين استفادوا من تعبه المتزايد من السياسة المحلية، من أجل دفع سياساتهم أو حتى مصالحهم الشخصية.

تقول السيدة ستانوفايا: "لا يزال بوتين يقرر بشأن أهم المسائل، ولكن كثيرا من المسائل الأخرى تُعالَج بالإقناع". كان بوتين يستخدم حق النقض ضد تفكيك شركة غازبروم، وهي احتكار الغاز التابعة للدولة، وهي فكرة يضغط من أجلها إيجور سيشين، الرئيس التنفيذي لشركة النفط الروسية روسنيفت. كما قاوم الرئيس رفع سن التقاعد، وهي خطوة كان مستشاره الاقتصادي اليكسي كودرين يضغط من أجلها باستمرار.

القرارات الأخرى التي تؤثر في الاقتصاد تحدث دون تدخل بوتين. وقد أُعطيت إلفيرا نابيولينا، التي تشغل منصب محافظ البنك المركزي، تفويضا مطلقا في التعامل مع مشاكل السيولة المتصاعدة في القطاع المصرفي، ما أدى من الناحية العملية إلى استحواذ الدولة على أكبر مصرفين من القطاع الخاص في روسيا هذا العام.

حصلت شركة يسيطر عليها أركادي روتنبرج، صديق طفولة بوتين وصديق التدريب على لعبة الجودو، على ترخيص لنظام مثير للجدل لتحصيل الرسوم على نقل البضائع على الطرق، ولم يتدخل الرئيس حتى بعد أن أدت التكاليف المتزايدة لشركات النقل الصغيرة إلى إثارة احتجاجات مستمرة.

كذلك سجل سيرجي تشيميزوف، رئيس مجموعة الدفاع روستيك المملوكة للدولة، وعضو آخر في الدائرة الداخلية لبوتين، انتصارا أخيرا. كان وزير الصناعة دنيس مانتوروف، الذي يتمتع برعاية تشيميزوف، يدعم دمج شركة الطائرات المتحدة، وهي الشركة المنتجة لطائرات سوخوي النفاثة العسكرية، مع شركة روستيك، وهو قرار، كما قال عنه مسؤولان، لم يتطلب موافقة الكرملين.
محاكمة أليكسي أولوكايف، وزير اقتصاد سابق، بتهمة الفساد بعد أن حاول معارضة خطة استحواذ شركة روسنيفت على شركة صغيرة منافسة، هي أيضا علامة على قبضة بوتين الضعيفة على الأحداث المحلية.

عملية الإيقاع في مقر شركة روسنيفت التي انتهت باعتقال أولوكاييف قبل عام تمت بمساعدة سيشين، الذي ترجع علاقته مع بوتين إلى أيامهما الأولى في الأجهزة الأمنية.

وفي الوقت الذي تتكشف فيه محاكمة أولوكاييف، تجري علنا مناقشة التناقضات بين رواية الوزير السابق للأحداث وبين الشهادات التي تم جمعها في وقت سابق من سيشين، وهي علامة على نزاع مفتوح يقول المحللون إنه ما كان ليظهر قط لو أن استهداف أولوكايف كان بموافقة بوتين.

الآن، في الوقت الذي تستعد فيه روسيا لفترة الولاية النهائية للرئيس، يسعى أعضاء النخبة السياسية إلى حماية مصالحهم من خلال التغيير الدستوري.
يقول الشخص الذي له صلات عائلية بالرئيس إن العيوب الدستورية هي المسؤولة عن بعض الاقتتال، على اعتبار أنها تسمح لمراكز القوى المتنافسة بالدخول إلى الإدارة الرئاسية والحكومة، برئاسة رئيس الوزراء. ويدعو أحد المقترحات إلى دمج الحكومة في الإدارة الرئاسية، أي التحول إلى نظام رئاسي على غرار الحال في الولايات المتحدة.

ويقول المحللون إنه بغض النظر عما يخطط له التابعون لبوتين في الوقت الحاضر، فإن المناقشات لا تزال مجردة إلى حد كبير إلى أن يقرر الرئيس كيف يريد تعزيز سلطته.

قال الكساندر نيفزوروف، وهو صحافي تلفزيوني، في مقابلة إذاعية أجريت أخيرا، حيث كان يقارن بين بوتين والنمر النائم: "يستطيع أن يتحمل أخذ قيلولة، ويدمدم، ويمدد مخالبه الضخمة ويفتح إحدى عينيه على أنفه المخطط. وبمقدوره أن يشاهد رقصة الفئران السياسية المختلفة أمامه".

استعدادا للتعديلات الدستورية المتوقعة، يقترح فلاديمير بورتكو، نائب من مجلس الدوما من الحزب الشيوعي المخلص للكرملين، مشروع قانون للبرلمان لعقد جمعية دستورية، وهو ما يلزم من أجل إجراء تغييرات مهمة في البنية الأساسية للدستور التي تجري مناقشتها. وقال إن القانون الأساسي "الذي كتبه الليبراليون" في التسعينيات الحرة لم يعد مناسبا للغرض.

نقاد الكرملين يحذرون من أن بوتين، على الرغم من سيطرته على الحياة السياسية في روسيا منذ 18 عاما، ربما يعاني من أجل تحديد مستقبلها إلى الحد الذي يرغب فيه.

وقال بيتروف: "أزال الكرملين كثيرا من الضوابط والتوازنات في السياسات المحلية والإقليمية، وضيق نطاق النقاش السياسي على جميع المستويات، لدرجة أنه يفتقر الآن إلى قنوات للحصول على معلومات دقيقة، حول ما يجري على مستوى القواعد الشعبية". ومن رأيه أن التجميع المفرط للسلطة من قبل بوتين حال دون أن يقوم السياسيون الشباب المخلصون للنظام، ببناء الموارد والنفوذ الذي سوف يحتاج إليه أي خليفة يمكن تصديقه.

ويضيف: "الأمر المثير للمفارقة هو أن هذا يعني بعد بضع سنوات، حين تصبح الخلافة فعلا موضوعا ملحا، أن نافالني، الذي أنشأ قاعدة من المؤيدين وشبكة تنظيمية عبر روسيا، سوف يكون السياسي الوحيد الجاهز".

نافالني نفسه أوضح أنه صاحب نفس طويل. بالنسبة للوقت الحاضر، ما عليه سوى أن يراقب التحضيرات الانتخابية من الكرملين بنوع من الاستخفاف.

وكتب في رسالة على موقع تلجرام: "الناس الجالسون في موسكو الذين يطلقون على أنفسهم صفة المرشحين الرئاسيين، تتألف حملاتهم من كتابة نصف صفحة مرتين في الأسبوع. ويرسل ممثلوهم الإعلاميون النص المذكور عبر شبكة الإنترنت. ويناقش المحللون السياسيون والخبراء فرص نجاحهم والإشارات الخفية. يا له من قتال راق على السلطة".