محمد الساعد

قبل 3 سنوات فقط وقف الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي أمام خزينة الدولة وقلبه بين يديه، وهو يخشى أكثر ما يخشاه أن نكون على شفا الإفلاس، فأسعار البترول تدنت لدرجة مخيفة، هابطة من 120 دولارا حتى وصلت إلى 26 دولارا، وهناك ارتباط بمشاريع رأسمالية لم تدرس جيدا تزيد على تريليوني ريال، ولا توجد المخصصات المالية الكافية التي ستمولها ولا احتياطي يغذيها، إضافة إلى مشاريع تحت التنفيذ تزيد هي الأخرى على تريليون ريال.

في الوقت نفسه كانت المملكة تستعد لحماية نفسها من مخاطر مؤامرة كبرى، رأسها في «البيت الأوبامي» في واشنطن، وذنبها في صعدة، مارة بالدوحة وطهران والضاحية الجنوبية في بيروت، كانت المخاطر على الكيان هائلة، والخونة من عملاء التنظيمات العابرة استمرأوا خيانتهم.

لقد كان موقفا صعبا على من تقلد للتو مجلس التنمية الاقتصادية، وهو يرى أن بلاده تكاد تعجز عن تسديد الحد الأدنى من التزاماتها الداخلية من رواتب موظفيها، والتشغيل اللازم لبلد أقرب ما يكون إلى قارة، وفي نفس الوقت ملزمة بالدفاع عن وجودها وشعبها ومستقبلها.

حاول الأمير إشراك المواطنين في همه الكبير، فوجد أن الناس ربما لم ولن تدرك حجم الموقف ولا صعوبته، فآل على نفسه أن يأخذ لوحده وفريق عمله المصغر كامل العمل والمخاطر والتبعات، وتجاوز أصعب أزمة مالية مرت بها المملكة طوال 100 عام، لينتقل سريعا بدولته من إفلاس حتمي كان قاب قوسين أو أدنى، إلى دولة تصنع المال وتدير التنمية، بدلا من انتظار تحسن أسعار النفط التي قد لا تأتي، وإن أتت ستكون متأخرة بعد أن نكون قد كبلنا بالديون.

ولنفهم حجم الإنجاز علينا أن نتذكر أن آخر أزمة مالية مررنا بها استمرت ما يقارب 17 عاما، من 1990 وحتى تحسن أسعار النفط 2007.

منذ منتصف الستينات، وكل من وزارتي المالية والتخطيط تضعان في سلم أولوياتهما أن لا يكون النفط هو المصدر الوحيد للدخل، وتلزم نفسها أمام الملك والشعب بتنويع مصادر الدخل، إلا أن ولا واحدة منها عملت بذلك، كلها ركنت للحل السهل والسريع وهو بيع البترول في السوق العالمية وادخار فوائضه، والصرف منها على المشاريع الرأسمالية والتشغيلية، فتحولنا أقرب ما نكون إلى صاحب دكان كبير نصرف ما نبيعه آخر اليوم، كثيرا كان أم كبيرا.

استطاع الأمير الشاب تحت قيادة الملك سلمان وتوجيهاته أن ينجز لبلاده أكبر ميزانية في تاريخ المملكة العربية السعودية، مع سعر بترول لا يتجاوز متوسطه 50 دولارا، كان قبل أشهر فقط يراوح بين 35 - 45 دولارا، لكن الرغبة الصادقة والجسارة في خوض التحديات والبحث الحقيقي عن الفرص وإعادة هيكلة الاقتصاد ومكافحة الفساد وكفاءة صرف الإيرادات على المشاريع، حققت توازنا ماليا هائلا استطاع إنجاز ميزانية تريليونية.

النتيجة التي يمكن استخلاصها من المعاناة التي مرت بها خزينة الدولة خلال السنوات السابقة، هي أن إدمان النفط كان وما زال أخطر أعدائنا، وأن التخلص منه أيضا خطير جدا ما لم نكن مستعدين حقيقة لذلك التغيير ولدينا المقومات الحقيقية له.

أي أن التخلص لا يأتي بالأمنيات ولا بالوعود التي تطلق كل عام، بل بالعمل المضني والمجهد وفتح البلاد اقتصاديا واجتماعيا، وإطلاق المحركات الكبرى التي تولد المال والفرص الوظيفية.

إضافة إلى أن هذه البلاد بها من الخيرات الكثير الكثير، لكنها كانت تحتاج إلى «جواهرجي» حقيقي يستطيع اكتشاف مكامن الغنى التي تزخر بها، وللأمانة فإن هذا الأمير الشاب لم يستخدم إلا القليل القليل من الإمكانات والخزائن التي حباها الله لهذه البلاد حتى اليوم، وهو يعلم يقينا أن استخدام طاقات المملكة كاملة بشبابها وثرواتها سيحيلها حتما لقوة اقتصادية عظمى، ليس في منطقتها فقط بل وعلى مستوى العالم.