سمير عطا الله

 سُئلت مرة على تلفزيون أبوظبي: «ما الفرق بين الرئيس رفيق الحريري والرئيس سليم الحص»؟ كان الحريري قد استقال للتو من رئاسة الحكومة، وحل محله الحص. وقد أجبت عن السؤال بالقول إن «الحريري مستعد لأن يكسر 12 قانونًا لكي يضيء مصباحًا، أما الحص فيطفئ 12 ضوءا لكي لا يكسر قانونًا واحدًا».


كانت الحوارات مع الدكتور سليم الحص شبه أسبوعية، لا يغير فيها سوى الأسفار. وحتى بعض الأسفار كانت برفقته. والذين لا يعرفونه لا يعرفون الجانب المرح فيه. ودائمًا كنت أعود من مكتبه المتواضع «بآخر نكتتين» وليس «بآخر نكتة». ومعه تطرح جميع المواضيع العامة بكل صراحة وبساطة، لا تشبه إلا بساطته.
وذات مرة، كان عائدًا من السراي إلى منزله في منطقة عائشة بكار، فتعرقل السير، وتوقفت سيارته عند عربة بائع عصير برتقال، فما كان من البائع إلا أن قشر برتقالة وقدمها إلى رئيس الوزراء. ونشرت الصحف الخبر. وبعد يوم واحد، اتصلت بالشيخ جميل الحجيلان، وسألته بالمناسبة إن كانت له زيارة قريبة إلى بيروت، فقال إن بيروت ليست في برنامجه حاليًا «ولكنني سأذهب خصيصًا لأرى البلد الذي يستوقف بائع برتقال رئيس وزرائه في الطريق».
أتذكر الحوارات مع الرئيس الحص كلما أصدر دونالد ترمب «أمرًا رئاسيًا» ينقض الأوامر التي أصدرها جميع الرؤساء من قبل. ولا أنسى يوم راجعته في مسألة كثر الكلام حولها، وهي قرار أدى إلى تذمر الكثيرين، وخصوصًا أرقاء الحال. وبعدما عرضت وجهة نظري ودافعت عنها، قال: لقد عبرتَ عن رأيي في الموضوع أفضل مما أستطيع أنا التعبير عنه. لكن المؤسف أن هناك مسألة أكثر أهمية لصورتنا كدولة في الداخل والخارج، فلا يجوز لأي رئيس للوزراء أن يبدي عدم الاحترام لتوقيع سلفه.
كان ذلك من أهم الدروس التي تعلمتها في متابعة القضايا العامة. وربما في الحقبة نفسها كان الحص يحمل حقيبة الخارجية إلى جانب رئاسة الحكومة. وكانت هناك مناقلات دبلوماسية على وشك الصدور، فطلب مني أحد أصدقائي السفراء التوسط لدى الدكتور الحص لتأجيل نقله من مكانه. وعندما راجعته بالأمر، قال: «يا فلان هذا باب يفتح ولا يغلق». في يوم واحد أصدر دونالد ترمب أمرًا بنقل 50 سفيرًا أميركيًا في الخارج، وفي هذه الدولة التائهة الصغيرة، ثمة من يحترم أصول الدولة. .  


&