باتي والدماير وشانون بوند من نيويورك

رد فعل شركة كونتننتال يونايتد للطيران في التعامل مع أحد ركابها بتجميع حاجياته وطرده من على متن الطائرة، شكل اعتداء عنيفا على زبون يدفع ثمن حصوله على الخدمة المقدمة له، ثم جاء التسبب في مزيد من الإساءة له، بأن تباطأت الشركة في الاعتذار للراكب، وهو ما تحول إلى غضب شديد ضد الشركات. 

هل سيؤدي ذلك أيضا إلى ثورة أوسع ضد إساءة معاملة المستهلكين؟
إن إصاباته كانت مروعة: ارتجاج وكسر في الأنف وفقدان اثنين من الأسنان. 

هذا الهجوم، الذي ترك ديفيد داو ينزف دما، شوهد من قبل الملايين، ولكن ما يثير الدهشة حقا هو أن الدكتور داو، الذي دفع ثمن تذكرة سفره، تعرض لهجوم من قبل أشخاص استدعتهم شركة الطيران التي كان يسافر معها: فقد كان أحد زبائنها.

استغل المسافرون المتضررون من جميع أنحاء العالم هذه المعاملة الوحشية للطبيب الفيتنامي الأمريكي البالغ من العمر 69 عاما، على أنها رمز لكل ما هو خطأ في السفر الجوي اليوم، من مساحة الجلوس الضيقة إلى دفع رسوم على الأمتعة التي يحملها المسافر إلى داخل قمرة الركاب.

عانى الدكتور داو إصاباته على يد شرطة المطار في شيكاغو في الوقت الذي أخرجته فيه بالقوة من رحلة مع كونتننتال يونايتد، فيما كانت الحجوزات فيها تزيد على الأماكن المتوافرة للركاب. 

بيد أنه بحلول نهاية الأسبوع، كان قد ظهرت شخصية الإنسان العادي في مسرحية أخلاقية أرحب حول الشركات، لتتناول كيفية تعامل الشركات مع عملائها - وما يجب أن تقول وتفعل عندما تسوء الأمور.

طيران يونايتد، من جانب آخر، تم تصويرها على نطاق واسع باعتبارها مثالا على قسوة الشركات واللامبالاة، وإصدار بيانات صماء اللهجة التي كان هدفها أن تدرأ عنها المساءلة القانونية في حين لم تفعل شيئا يذكر لمنع الضرر بالعلامة التجارية، في البداية، ومن ثم اللجوء إلى اعتذارات تزداد دناءة باستمرار، والتي لا تزال فاشلة في تهدئة الغضب الشعبي. يقول محللو الصناعة إن شركة الطيران الأمريكية قد تكون محظوظة في تجنب ضرر أكثر خطورة يتعلق بالسمعة.

يقول ألان أدامسون، مؤسس شركة براندسيمبل، وهي شركة استشارية في مجال العلامات التجارية: "أدى ذلك إلى خروج مارد الغضب من شركات الطيران من القمقم بسبب العناء المتزايد الذي يمر به المسافرون أثناء الرحلة". 

في غضون ساعات، كان الركاب يشكون من كل شيء، ابتداء من قيام طيران يونايتد بوضع طفل صغير بين اثنين من الغرباء بدلا من أن يكون بين أمه وأبيه، إلى القيود المفروضة على الحقائب المحمولة إلى داخل الطائرة، وتكلفة المياه المعبأة في زجاجات على متن الرحلات ذات التكلفة المخفضة.

وهناك حبكة فرعية من العنصرية وجدت طريقها داخل هذا المزيج – حيث إن بعض مستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعية تساءلوا عما إذا كان الدكتور داو قد أسيئت معاملته لأنه آسيوي – الأمر الذي عمَّق من الإحساس بأن هذه القضية برمتها هي أكثر بكثير من مجرد رحلة محجوزة، وأكثر من عدد المقاعد المتوافرة أو أزمة علاقات عامة أو حتى صناعة الطيران.

تم الشعور بالاستياء عبر مسافات بعيدة وصلت إلى الصين، وهي واحدة من أسواق الطيران الكبرى الأسرع نموا في العالم، حيث السوق الصينية مهمة للغاية في جهود التوسع التي تقوم بها شركة طيران يونايتد. 

الفيديو الذي يصور الشجار، الذي التقط من قبل الركاب الذين تستطيع أن تسمع تعبيرات الهلع الصادرة عنهم أثناء مجرى الأحداث، أصبح أكثر بند تتناقله التعليقات على "سينا وايبو"، المكافئ الصيني لـ "تويتر" (جزئيا لأن الناس ظنوا خطأ في البداية أن الطبيب صيني الجنسية).
وقد أثار محامو داو مزيدا من المشاعر عندما نقلوا عنه مقارنة هذه التجربة بهروبه من فيتنام خلال سقوط سايجون في عام 1975. القيام بجره في الممر كان، كما نقل عنه المحامي قوله: "أكثر رعبا وإيلاما مما تعرض له عند مغادرة فيتنام".

بعد ذلك قال المحامي أمام مؤتمر صحافي إنه يأمل أن الدكتور داو، الذي يعد الإجراءات القانونية ضد شركة يونايتد، سيقود ثورة المستهلكين ضد سوء معاملة الشركات للعملاء - وليس فقط حول الرحلات الجوية فحسب، بل أيضا حول عدادات تأجير السيارات، وفي محال البقالة، وحتى في عيادة الطبيب. وقال إن شركات الطيران "تتسلط" على الركاب بشكل روتيني.

الاعتذار
وفقا للإحصاءات الفيدرالية، بدأ يوم الأحد الماضي مثل أي يوم عادي آخر في مطارات أمريكا، حيث يعاني عشرات الآلاف من الركاب إجبارهم على الخروج من الطائرات كل عام. 

الرحلة رقم 3411 من شيكاغو إلى لويفيل كانت محجوزة بالكامل وعلى استعداد للإقلاع. احتاجت شركة يونايتد إلى أربعة مقاعد إضافية على متن الطائرة لنقل الموظفين ليكونوا ضمن طاقم الطائرة في مدينة أخرى. 

عرضت الشركة تعويض الراكب الذي يتخلى عن مقعده، ولكن لم يتقدم أحد. تم اختيار أربعة ركاب عشوائيا. ثلاثة خرجوا من الطائرة، ولكن الدكتور داو رفض ذلك. 
تم استدعاء شرطة المطار، توترت المشاعر ثم فُقِدت السيطرة. والباقي سيكون شيئا من الماضي إلى الأبد - على "تويتر".

بدأ خبراء الاتصالات في الأزمات على الفور بتشريح جثة الاستجابة الخرقاء لشركة يونايتد في مجال العلاقات العامة: لمدة 24 ساعة كان يبدو على الشركة الناقلة أنها عمياء عن حقيقة أن عليها مسؤولية عما حدث، محيلة الأسئلة إلى أجهزة إنفاذ القانون - بلا شك بناء على نصيحة من محاميها.

كما يقول كريس ألييري، مؤسس شركة مولبيري وأستور، وهي شركة استشارية للعلاقات العامة: "في اتصالات الأزمة كان الفريق القانوني يتعامل دائما بقسوة حقا، ولكن مهما كان مبلغ التسوية الذي ستدفعه الشركة إلى هذا الرجل، فستكون رخيصة للغاية نظرا للضربة التي تتلقاها في القيمة التجارية لعلامتها من حيث صورتها في أذهان المستهلكين".

في وقت متأخر من اليوم الثاني، قدم أوسكار مونوز، الرئيس التنفيذي للشركة، أول محاولة في الاعتراف بالذنب، وهي محاولة تعرضت لقدر كبير من السخرية والاستهزاء: حيث إنه اعتذر فقط عن اضطرار الشركة إلى "إعادة وضع المسافرين على رحلات أخرى" – وليس لأن الشركة تسببت في جرجرة شخص ما في ممر الطائرة حين كان الدم يقطر من فمه. 

وفي تلك الليلة طمأن الموظفين، في مذكرة داخلية، أنهم اتبعوا الإجراءات المعتادة، ولكن الغضب الرقمي انفجر بسرعة، حيث ورد اسم يونايتد إيرلاينز نحو ثلاثة ملايين مرة في "فيسبوك" و"تويتر" و"إنستاجرام" في الـ 48 ساعة الأولى بعد اندلاع خبر الحادث، وفقا لشركة براندواتش، التي تعمل في مجال تحليلات وسائل الإعلام الاجتماعية.

انتشرت الهاتشتاقات، بما في ذلك #BoycottUnited (قاطعوا يونايتد)، و #NewUnitedAirlinesMottos (الشعارات الجديدة لشركة يونايتد) و #FlyTheFriendlySkies (مرحبا بكم في الأجواء اللطيفة) التي هي عبارة عن تقليد ساخر لشعار يونايتد الإعلاني. 

وبحلول يوم الأربعاء، كان نحو 71 في المائة من التعليقات على الإنترنت التي أوردت اسم يونايتد يعبر عن مشاعر سلبية، مقارنة بـ 91 في المائة قراءة إيجابية في يوم الأحد، وفقا لتحليل لوكالة براندواتش.

إلا أن مونوز لم يظهر إلا بعد مرور ثلاثة أيام على الرحلة، في برنامج صباح الخير أمريكا، برنامج التلفزيون الأمريكي المشاهد على نطاق واسع، ليقول إن "هذا لن يحدث مرة أخرى أبدا على متن طائرة تابعة لشركة يونايتد أيرلاينز"، مضيفا: "لن نضع مسؤولا عن إنفاذ القانون [على متن طائرة] لإخراجهم. 

أن نُخرِج راكبا عن مقعد محجوز، ومدفوع وجالس في مقعده؟ لا يمكننا أن نفعل ذلك". وقال إنه يشعر" بالعار والحرج" من الطريقة التي عومل بها الدكتور داو.

عرضت يونايتد على كل شخص على متن الطائرة تسديد تكلفة تذكرة سفرهم، ولكن كل هذا أدين باعتباره "أقل مما يجب، ويأتي بعد فوات الأوان" من قبل الذين ينصحون الشركات حول كيفية عدم الدخول في فوضى مثل هذه في المقام الأول.
غالبا ما يلعب الإدراك المتأخر للأمور دورا في هذه الإدانات، ولكن حتى الخبراء المحنكين المختصين بالسمعة على الإنترنت فوجئوا بمدى سرعة انتشار النقد اللاذع. 

يقول مايكل فيرتك، مؤسس موقع Reputation.com، وهي شركة إدارة السمعة على الإنترنت: "هذا هو ما أفعله من أجل لقمة العيش على مدى أكثر من عقد من الزمان ومع ذلك لم يكن بإمكاني أن أتوقع هذا. تتسم هذه الاستجابة بشراسة وسرعة لم يكن من الممكن التنبؤ بها".

التأثير المالي
كان يبدو أن المساهمين أُخِذوا على حين غرة، حيث لم يظهر سعر السهم في يونايتد أيرلاينز أثرا يذكر في اليوم الأول بعد اندلاع الأزمة، لكن انخفضت الأسهم بشكل حاد يوم الثلاثاء – حيث قضت في إحدى المراحل على مليار دولار من قيمتها السوقية - ولكن في نهاية الأسبوع، كان سعر سهمها قد استرد كثيرا من قيمته. 

وفي يوم الخميس، كرر جيم كوريدور، محلل الطيران في شركة CFRA، على توصية قوية للمستثمرين بشراء سهم الشركة. "حيث إن شركة يونايتد نطقت أخيرا بالأشياء الصحيحة، نحن نعتقد أن هذا الوضع يمكن أن يبدأ في الانحسار ويسمح للمستثمرين بالتركيز على أساسيات الصناعة، التي هي جيدة جدا".

جزء من هذا يمكن أن يفسر على الأرجح من حقيقة أن مونوز، وهو شخصية محبوبة اجتذبت التعاطف العام عندما خضع لعملية زرع القلب بعد أسابيع من تسلّمه إدارة شركة الطيران المعتلة، يُنسَب له الفضل في فعل الكثير لوضع الشركة على مسار نحو الانتعاش.

شركة يونايتد، التي تكافح من أجل تحقيق الأداء التشغيلي والأرباح التي تطالب بها بورصة وول ستريت منذ اندماجها مع شركة كونتننتال أيرلاينز في عام 2010، كانت رابع أكبر ناقل أمريكي من حيث حجم الركاب في العام الماضي. 
في ظل مونوز ارتفع سعر سهمها من مستوى منخفض عند 37.75 دولار في العام الماضي إلى 69.07 دولار يوم الخميس الماضي.

كما قام مونوز أيضا بإبرام عقود عمل مشتركة مع المضيفين والمضيفات والميكانيكيين، وهي خطوة حاسمة في دمج شركتي يونايتد مع كونتننتال التي يأمل المحللون أنها ستحسن الأداء التشغيلي.

ومن المفارقات أنه حتى حصل على جائزة مجلةPR Week "أفضل شخص للتواصل خلال العام" بالضبط قبل شهر من وقوع الحادث. 
وقالت المجلة: "منذ أن تولى مونوز مهام الرئيس التنفيذي في أيلول (سبتمبر) 2015، عمل على تحسين حظوظ شركة الطيران، واجتذب حماسة الموظفين، ووضع الشركة على مسار أكثر سلاسة - كل ذلك في سياق وقت صعب للغاية على المستوى الشخصي"، مشيدة به لكونه لمسة مؤكدة على العمال العاديين وفهمه لـ "قيمة التواصل".

بعد ذلك بوقت قصير، بدأت الأمور باتخاذ منحى سلبي عندما واجهت الشركة رد فعل عمومي غاضب، لرفضها السماح لراكبتين بالركوب على متن الطائرة لارتدائهما ملابس ضيقة لأنهما تحملان تصاريح تصدر لأسر الموظفين التي تحدد قانونا صارما للباس. 
ثم جاءت الرحلة 3411، لتعرض صور الدكتور داو الذي يعاني دوارا وتسيل منه الدماء على الملايين من شاشات الهاتف المحمول في جميع أنحاء العالم. 

وقد تدخل السياسيون في هذه الأحداث، حيث طالبوا بإجراء تحقيق. حتى الرئيس دونالد ترمب علق على ذلك.

إن شركة يونايتد هي بالكاد أول شركة واجهت عاصفة وسائل الإعلام الاجتماعية الشرسة. في الأسبوع الماضي فقط، اضطرت شركة بيبسي إلى سحب إعلان بسبب انتقادات على وسائل الإعلام الاجتماعية بأنه عنصري وعديم الحساسية من الناحية السياسية.
فيرتك يقول عن حادث شركة يونايتد: "أعتقد أن هذا الحادث له أرجل. يمكن للموجة التالية منه أن تأتي لأن هناك اهتماما كافيا مستداما الآن، على اعتبار أن الكونجرس يمكن أن يعقد جلسات استماع، وأن يسأل الزبائن السابقين عن تجاربهم السيئة، وأن يستدعي موظفين سابقين".

ومع ذلك، فإن كثيرا من محللي شركات الطيران يشكون بأن الركاب الساخطين سيضعون ولاءهم للعلامة التجارية قبل محافظهم، ولن يقاطعوا شركة يونايتد.

يقول جورج هاملين، مستشار صناعة الطيران المخضرم: "إلى متى سيطول هذا الأمر؟ إلى أن يحين موعد التنزيلات المقبلة على أسعار تذاكر الطيران". 

وهو يراهن على أن الغضب الرقمي سيتبدد بالسرعة التي انفجر بها في المقام الأول، وخاصة في عالم أدى فيه الاندماج بين شركات الطيران إلى إبقاء كثير من الركاب مع خيارات قليلة للانتقال من مدينة إلى أخرى، بتكلفة زهيدة، وبشكل مريح، والأهم من ذلك كله دون أن يتعرض الشخص للأذى.