رياض نعسان أغا

لم يشعر السوريون بجدية المفاوضات حتى الآن، وبات صعباً على الهيئة العليا للمفاوضات وعلى الفصائل العسكرية المنخرطة في البحث عن حل سياسي أن تقنع الشعب بدوافع استمرارها في التفاوض العبثي الذي لم يفض إلى أية نتيجة سوى المزيد من القصف وارتفاع وتيرة التصعيد بدل انخفاضها، كما حدث في درعا بعد الجولة الرابعة من محادثات آستانة! وقد أدرك السوريون أن ما يتم بحثه هو تقاسم نفوذ دولي بعيداً عن مضمون بيان جنيف وخارج مظلة الأمم المتحدة والقرارات الدولية.

وأمام تضخم المأساة السورية والحاجة الماسة إلى التخفيف من معاناة الشعب وافقت الفصائل العسكرية على الحضور والمشاركة المعنوية في مفاوضات آستانة بحثاً عن وقف شامل وكامل لإطلاق النار، ولكنها وجدت من الجولة الأولى رغبة روسية في إقحام القضايا السياسية في جدول آستانة، حيث طلب الروس بحث قضية الدستور، مما جعل المفاوضين يصرون على أن مهمة جولات آستانة تقنية عسكرية محضة، وأما القضايا السياسية فلا بد أن تبحث في جنيف تحت سقف القرارات الدولية التي أقرها مجلس الأمن.

ولقد شعرنا بأن الإصرار على الاستمرار في آستانة يهدف إلى سحب البساط القانوني من تحت مفاوضات جنيف، ويبدو أن المبعوث الدولي أجبر على أن ينضم إلى مفاوضات آستانة، ولكنه سارع إلى متابعة مسار جنيف، ولم يكن يملك بيئة دولية مساندة. 

فالولايات المتحدة لم تقدم أية رؤية للحل السياسي، بل بدا أنها تركت الملف كله لروسيا! كما بدت دول الاتحاد الأوروبي في حالة انتظار وترقب، ولم يعد بيد السفراء المتابعين أكثر من توجيه النصائح للهيئة العليا وحثها على مزيد من الإيجابية التي أوشك أن يفقدها المفاوضون، ولاسيما حين وجدوا مماطلة واضحة في بحث قضية الانتقال السياسي التي وعدوا بأن تكون لها أولوية، ولكن موضوع مكافحة الإرهاب طغى على كل الأولويات.

ولا يغيب عن أحد أن مكافحة الإرهاب تبدأ من الانتقال السياسي، ومن كف يد إيران عن العبث بمستقبل الشعوب في المنطقة، وقد لاحظ العالم كله أن الحرب على «داعش» كانت أقرب إلى التمثيلية غير المتقنة، تماماً كما كانت تمثيلية ظهور «داعش» في الرقة والموصل، وقد تصدرت الصحف في العالم أسئلة من أهمها هذا السؤال المريب: أين اختفى 35 ألف مقاتل من تنظيم «داعش»؟ 
ولست في صدد الحديث عن ذلك، ولكن السؤال يوجه إلى إيران التي تمكنت من تشكيل «حشد شعبي» ضخم بذريعة مكافحة الإرهاب، وحققت مزيداً من السيطرة على العراق ولبنان وسوريا؟ ولم توقفها التصريحات المتلاحقة ضدها عن تحقيق المزيد من العدوان، وكان من المفارقات أن يقبل أعداؤها تحولها إلى ضامن في مفاوضات آستانة، مما جعل الشعب السوري يفقد الثقة في من يزعمون أنهم يبحثون عن حل عادل، فكيف يكون المعتدي ضامناً وجلّ مأساة السوريين كان سببه دخول إيران العسكري بدءاً من دخول «حزب الله» اللبناني وليس انتهاء بدخول مئات الميليشيات الطائفية، فضلاً عن دخول جيوش إيرانية دمرت سوريا وهجّرت شعبها. 

وكان ثمن تمكين النظام ملايين القتلى والشهداء والمعوقين والنازحين والمهجرين أمام عجز دولي مريع عن إيقاف هذه المأساة الكبرى، بحجة عدم وجود بديل للنظام، واتهام للمعارضة بأنها عاجزة عن المشاركة في الحكم مع أن الجميع يعرفون أسباب تشتتها، وكثير منهم هم الذين شتتوها ودعموا التنظيمات المتطرفة التي نمت على هوامشها وتمكنت من إضعاف الجيش الحر، ومنعته قسرياً من إقامة أي جسد يوحد قواه العسكرية، كما أن الآخرين لعبوا أدواراً سيئة في توزيع ولاءات المعارضة، ولم يسمح لها حتى بأن يكون لها صندوق دعم مالي موحد يكف عنها تشتت الولاءات.

ويدرك الجميع أن السعودية والإمارات تمكنتا من لم شمل المعارضة بقواها الرئيسة في مؤتمر الرياض، وأن بيان الرياض أعلن ثوابت توافقت عليها كل المكونات المشاركة، وأن الهيئة العليا للمفاوضات مضت قدماً في مسار الحل السياسي، ولكنها لم تجد أية استجابة من النظام، ولم تجد أية خطوة روسية جادة لتنفيذ القرار الدولي 2254، بل كانت روسيا تبحث عن المصالحات عبر الضغط والإذعان لجعلها بديلاً عن الانتقال السياسي. 

والمفجع أن يتحول الحل السياسي المنشود إلى تهجير قسري عبر (الباصات الخضر) التي تنقل السوريين إلى الشمال حيث المحرقة المرتقبة، أو المصير المجهول، وما حدث في عرسال مؤخراً من عدوان فادح على اللاجئين السوريين وقتل العديد منهم تحت التعذيب بهدف إجبارهم على العودة القسرية إلى سلطة النظام في ذات الوقت الذي تنعقد فيه مفاوضات آستانة، وتستعد فيه الوفود للمشاركة في جولة جديدة من مسار جنيف، يجعل الشعب السوري يفقد أي أمل في الوصول إلى حل سياسي مقبول.