FINANCIAL TIMES

انخفاض تدفق الرساميل يدفع العولمة إلى التراجع

 

 

 شون دونان من نيويورك

في عام 2007، كانت أحجام الأموال التي تعبر الحدود نحو ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في عام 2016، على الرغم من أن المستثمرين ظلوا يطاردون العوائد، ويضخون النقود في أسواق العالم، لتحصيل الأرباح من أسعار الفائدة المنخفضة.

المصارف التي شهدت فيما مضى عقودا آجلة غنية في الإقراض في الخارج تظل الآن أقرب إلى الداخل. وكثير من المال الذي يعبر الحدود هو على شكل استثمار مباشر طويل الأجل، وظاهريا لبناء مصانع أو شراء حصص في شركات في الأسواق الواعدة.

في عالم حيث الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وغيره من القوميين الاقتصاديين يُهددون ببناء حواجز جديدة أمام التجارة، فإن النقاش حول العولمة اليوم يُهيمن عليه الارتفاع في تجارة السلع خلال نصف القرن الماضي وأثرها في المجتمعات.

تجارة السلع هي التي يستشهد بها معظم خبراء الاقتصاد عندما يُعربون عن المخاوف من أن المسيرة نحو تكامل اقتصادي أكبر، قد تكون الآن في الاتجاه المعاكس.

لا يقال كثير بشأن تدفقات رأس المال أو حالة العولمة المالية. ومع ذلك، فإن تجاوزات تدفقات رأس المال كانت واحدة من الأسباب الرئيسة للأزمة المالية - وهي حيث قد تكمُن الأزمة التالية.
النظام المالي في العالم هو أكثر مرونة اليوم مما كان عليه قبل عقد، وفقا لما ذكره معهد ماكينزي العالمي في تقرير، وهذا، كما تُجادل المؤسسة الفكرية، هو السبب للأمل حتى في الوقت الذي وثّقت فيه الانخفاض بنسبة 65 في المائة في إجمالي تدفقات رأس المال عبر الحدود منذ عام 2007.

كثير من الانخفاض في الأموال التي تتدفق من خلال النظام هو تذكرة بالمكان الذي جاء منه الاقتصاد العالمي. في عام 2007، كان العالم يسبح في بحر من السيولة، نتيجة إلغاء الضوابط المالية، وارتفاع المُدّخرات من الصين وغيرها من الأسواق الناشئة والثروة التي كانت تبدو بلا حدود في ذلك الحين للدول المُصدّرة للنفط.

كل ذلك المال كان لا بد له من العثور على موطن وعوائد. كثير منه وُضع في العقارات الأمريكية، ما أدى إلى تضخيم فقاعة انفجرت مع عواقب مذهلة.

موريس أوبستفيلد، كبير خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي، يقول: "نحن لا نريد استخدام فترة منتصف العقد الأول من الألفية كمعيار لما هو طبيعي وصحي".

السبب الرئيس للانخفاض في التدفقات كان انهيار الإقراض المصرفي عبر الحدود، أساسا من قِبل المصارف الأوروبية.

تقول سوزان لوند، شريكة في ماكينزي وواحدة من مؤلفي التقرير: "يبدو واضحا لنا أن ما يظهر هو شكل أكثر استقرارا ومرونة من العولمة المالية التي يُمكن أن تكون مفيدة.

ما اختفى هو كثير من الإقراض عبر الحدود ... ونحن نعرف من 20 - 30 عاما من الأزمات المالية حول العالم أن الإقراض عبر الحدود غالبا ما يكون أول شكل من أشكال رأس المال الذي يتدفق خارج البلاد في أزمة".

مزيد من رأس المال الذي يتدفق حول العالم اليوم هو على شكل استثمار أجنبي مباشر، نوع من الالتزام المالي على المدى الطويل من قِبل شركات في مصانع ومرافق أخرى عادة ما تُعتبر مُنتجة.
هناك وجهة نظر تنتشر بين خبراء الاقتصاد هي أن النمو في الاستثمار الأجنبي المباشر هو علامة على اتجاه غير صحي - بحث الشركات عن معدلات ضرائب أقل والسباق من قِبل البلدان لخدمة ذلك الطلب.

فيليب لين، مُحافظ البنك المركزي في إيرلندا، وجيان ماريا مايلسي فيريتي، أحد كبار خبراء الاقتصاد في الصندوق، يُجادلان في ورقة بحث نشرها صندوق النقد الدولي أخيرا أن العامل الرئيس وراء التوسّع في الاستثمار الأجنبي المباشر كان تدفق الاستثمار المحجوز في "المراكز المالية"، العبارة اللطيفة التي تعني البلدان منخفضة الضرائب مثل إيرلندا.

يقول أوبستفيلد: "إذا كنت تعتقد أن الاستثمار الأجنبي المباشر يتدفق إلى لوكسمبورج لبناء المصانع هناك، فأنت مُخطئ. كثير من هذا يُمثل تحوّل الأرباح المدفوعة من الضرائب والتي تظهر في ميزان المدفوعات كتدفقات استثمار مباشر أجنبي".

لا يزال صندوق النقد الدولي يرى مخاطر في النظام المالي. مطاردة العوائد من قِبل المستثمرين الذين يواجهون أسعار فائدة منخفضة باستمرار أدى إلى خفض تكلفة الديون للمُقترضين في أنحاء العالم النامي كافة. وهم استجابوا من خلال تحميله.

يقول أوبستفيلد: "ما نراه الآن هو مستوى من التدفقات ونمو في المواقف التي تبدو أكثر استدامة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن كل شيء على ما يُرام".
انخفضت تدفقات رأس المال عبر الحدود بشكل كبير مما كانت عليه عندما بدأت الأزمة المالية العالمية. مبلغ الـ 4.3 تريليون دولار الذي تدفق حول العالم في عام 2016 لم يكُن سوى ثُلث الذروة التي بلغت 12.4 تريليون دولار في عام 2007. مع ذلك، لا أحد يعتقد أن العودة لتلك المستويات ستكون صحية.

المسهم الأكبر في الصورة المتغيرة لتدفقات رأس المال كان انهيار الإقراض المصرفي عبر الحدود، حيث المصارف الأوروبية مسؤولة عن كثير من الانخفاض.

تقول سوزان لوند من بنك ماكينزي: "من الصعب الإشارة إلى أي جزء من الاقتصاد العالمي الذي أصبح أقل عولمة من القطاع المصرفي".

انتقلت ’الاختلالات‘ في الاقتصاد العالمي. في عام 2007 كانت الصين أكبر اقتصاد فائض في العالم، بينما الولايات المتحدة كانت تملك أكبر فائض في حسابها الجاري، وهما أساسا التجارة، لكن ألمانيا الآن لديها فائض حساب جار أكبر من الصين.

الاختلالات المالية الأخرى في العالم هي أقل تطرفاً مما كانت في عام 2007، لكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لا تزالان الوجهات الرائدة في العالم للتدفقات المالية الدولية، وذلك وفقا لبيانات رأس المال والحسابات المالية.

تغيّر تكوين التدفقات عبر الحدود بشكل كبير. الاستثمار المباشر الأجنبي واستثمار الأسهم الآن يُشكلان حصة من التدفقات أكبر من الإقراض المصرفي، إلا أن هذا ربما يتعلق بالشركات متعددة الجنسيات التي تُطارد معدلات الضرائب المنخفضة أكثر من الاستثمار في المصانع.

تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر حول العالم - أو الاستثمارات الجديدة التي تقوم بها الشركات كل عام - لم يعُد بعد إلى مستوياته قبل الأزمة. وفقاً لتوقعات الأمم المتحدة، سيستغرق عدة أعوام ليفعل ذلك.

الاقتصادات المتقدمة تُرسل أموالا أقل بكثير إلى الخارج على شكل استثمار مباشر أجنبي مما كانت تفعل قبل الأزمة، فحصتها من الاستثمار المباشر الأجنبي العالمي انخفضت أيضا بسبب نمو دور الصين، ما أدى إلى رد فعل عنيف في أوروبا والولايات المتحدة.