حسام عيتاني

يقول نشيد الجمهورية العربية المتحدة «والله زمان ع الجنود/ زاحفة بترعد رعود/ حالفة تروح لم تعود/ إلا بنصر الزمان». أما نشيد الجمهورية العربية السورية فيتساءل «لمَ لا نسود ولمَ لا نشيد» ما دام «منا الوليد ومنا الرشيد».

اختلاف السياق التاريخي للنشيدين، حيث وضع الأول في ذروة المد القومي العربي في خمسينات القرن الماضي، ونُظم الثاني في ثلاثيناته أثناء الاحتلال الفرنسي لسورية، لا يحول دون حملهما الفكرة القومية ذاتها عن انتصارات عربية عظيمة تغير وجه التاريخ وتعيد العرب إلى موقع السيادة العالمية. ثمة فروقات كبيرة بين النشيدين على رغم تعويلهما على الجند في نشر رسالة العروبة.

لكنهم جند من الشعب الذي «يزحف زي النور» في النشيد المصري، و «الشعب جبال/ الشعب بحور/ بركان غضبان/ بركان بيفور» على ما يوضح الشاعر صلاح جاهين، في حين أن «حماة الديار» السوريين هم ذوو «نفوس أباة وماض مجيد»، ما يشير إلى نُبل المحتد وأصالته، مع أنهم يستظلون بـ «علمٍ ضمَّ شمل البلاد» بكل فئاته على ما يفترض الشاعر خليل مردم بيه.

على أي حال، يتوجه النشيدان، بخلفية صاحبيهما القومية العربية، إلى الخارج. وصف نشيد «حماة الديار» لسورية لا يختلف كثيراً عن أوصاف جملة عريضة من الأناشيد الوطنية لبلاد أصحابها: الإرث المجيد والجمال الطبيعي والشعب الكريم والعزيز. 

النشيد المصري أكثر بخلاً في الحديث عن مصر «الحرة» التي بنى شعبها مجدها بالكد والشقاء لكنه يسهب في وصف الحروب والجنود.

هاتان عينتان شهيرتان عن أدبيات قومية عربية وضعت، منذ بداياتها مطلع القرن العشرين، النهضة والوحدة ومحو آثار قرون الانحطاط، كواجبات لمواجهة الخارج أكثر مما هي ضرورات ذاتية للعرب، مكررة بذلك نماذج النهضات الأوروبية السابقة. ينحو الكثير من الإنتاج الفكري السياسي العربي الحديث صوب الإشادة بفوائد الوحدة كعنصر حاسم في مقارعة الاستعمار وتحرير فلسطين واحتلال الموقع المستحق بين الأمم. 

ولا تحضر الرجعية إلا بصفتها إفرازاً زرعته القوى المعادية للوحدة. والتقدم، بدوره، يأتي ليكمل «العدة» اللازمة للتصدي لمؤامرات الخارج. بيد أننا لا نعرف كيف نأتي بالتقدم ولا من أين، ما دام الخارج كله معادياً. قدمت الحرب الباردة إجابة التفافية: نقف موقف الحياد الإيجابي، الملائم لمصالحنا. وفي تلك الفترة عنت الإجابة هذه تأييد الاتحاد السوفياتي ضد الغرب طمعاً بمساعدته لنا على تحقيق التقدم المنشود.

نهاية الحرب الباردة حملت القوميين العرب على البحث عن حليف يحل مكان المنظومة الاشتراكية. بعضهم قصد إيران وآخرون راهنوا على روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي. ومن دواعي ارتياحهم ظهور التنسيق العالي بين طهران وموسكو. المهم أن الخارج المعادي هو دائماً وأبداً نظير الغرب. والمهم أكثر أن لا مشكلات حقيقية في الدول العربية، في مجتمعاتها واقتصاداتها وثقافاتها، نشأت وتفاقمت ولم يكن للغرب الدور المؤسس لها والزارع لبذورها.

نشأت القومية العربية وتغذت على أوهام نخبوية غفلت في أغلب الأحيان عن النظر الدقيق إلى واقع الشعوب ما فتح برزخاً واسعاً بين الأحلام والمشاريع الكونية وبين الإمكانات والحقائق القائمة. صفعة الهزيمة في 1967 أنهت الصيغة الظافرة من القومية العربية لكنها في المقابل عززت روح العداء للخارج وعمقت الهوة بين الخطاب المعلن وبين السياسة الفعلية. حافظ الأسد وصدام حسين مثّلا ذروة هذا الفصام، في حين انحاز أنور السادات، وغيره، إلى الواقعية إلى حد الابتذال.

لم تحتل الشعوب العربية اهتماماً كبيراً في دعوات النهضويين القدماء المهجوسين ببناء نموذج وهمي لتاريخ يتواءم مع طموحاتهم. لم تكن التنمية والعدالة والمستشفى والمدرسة أوليات لهم. وهي ليست كذلك بالنسبة لورثتهم القلقين على كوريا الشمالية أكثر من قلقهم على مستقبل بلادهم.