&سمير عطا الله

&&من الناحية النظرية كان المارشال جوزيب بروز تيتو، أحد أقطاب الشيوعية بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه كان على خلاف دائم مع قادتها في موسكو. وهرباً من الكتلة السوفياتية وغريمتها الصين، وجد لنفسه مكاناً مريحاً في كتلة عدم الانحياز. وسجّل على نفسه أنه أول زعيم شيوعي يقوم بزيارة رسمية للولايات المتحدة في ذروة الحرب الباردة، نكاية في صورة خاصة من فيدل كاسترو، الذي لم يكن يرتاح إلى سلوكه.
لكن أشهر تناقضات الزعيم اليوغوسلافي كان ولعه بالأشياء الباذخة: اليخت الذي كان كاسحة ألغام، حوِّل إلى سفينة فاخرة من التحف والرياش. جزيرة خاصة تدعى «بريوني» يستقبل فيها - وعلى اليخت - كبار الضيوف ومشاهير النجوم. وأكثر - وليس أقل - من 70 فيلا إذا خطر له التغيير قليلاً عن أجواء «بريوني».


إلى جانب هيامه بالأمكنة، كان معروفاً عنه ضعف الأنسنة: ولعه بالنساء وولعه بأهم أنواع المآكل، وشراب كثير. ويروى أنه عندما أشار عليه أطباؤه بضرورة الحمية، ظل يتناول اللحوم صباحاً وظهراً ومساءً. أما أشهر ضيفات «بريوني» الدائمات فكانت الإيطالية صوفيا لورين. وكان يبدو أن صوفيا فرد من العائلة، ولم تتردد غالباً في الدخول إلى المطبخ لتحضير المعجنات على طريقتها ومع تتبيلاتها الخاصة. ولم تتمتع نجمة الإثارة الأخرى جينا لولو بريجيدا بالمكانة نفسها على الجزيرة، لكن ظلت على لائحة الضيوف. وكذلك جاكلين كيندي، التي حافظ على صداقتها حتى بعد زواجها من اليوناني أوناسيس.
فاتنا أن نذكر في لائحة الفخامات، قطار تيتو الخاص، «القطار الأزرق». وقد أعجب به الرئيس الإيطالي أليساندرو برتيني (1978) وأوصى على نسخة منه، لكنه عاد فأهداها بدوره إلى صوفيا لورين. وعلى هذا القطار نقل نعش المارشال إلى مثواه الأخير في لوبليانا، بعد المرور في المدن الكبرى، حيث خرج مئات الآلاف لإلقاء النظرة الأخيرة عليه. وطوال خمس سنوات، في الرابع من مايو (أيار)، ظلت الحركة تتوقف عند الخامسة و5 دقائق، والأبواق تصدح، في ذكرى «تيتو سلافيا». ثم شيئاً فشيئاً بدأ اسمه يمحى عن آلاف المؤسسات والملاعب والشوارع والمدن والقرى والمدارس والمستشفيات. ومن ثم راحت يوغوسلافيا نفسها تتفكك في حرب طاحنة. وكثرت النظريات بعد وفاته، ومنها ما ورد في «هنغاريان ريفيو» وهي أن تيتو الذي تظاهر طوال عمره بأنه عدو السوفيات، كان طوال عمره رجلهم في كل مكان.
إلى اللقاء...