محمد العنتري&

&عرف المغرب في السنوات الأخيرة مجموعة من الأوراش الكبرى التي ساهمت في إعطاء دينامية جديدة للاقتصاد الوطني وإعادة تموقعه في خريطة الدول الصاعدة والناشئة، مع إبراز جاذبيته وامتيازاته التنافسية لجلب المقاولات الأجنبية ورؤوس الأموال والاستثمارات، إلا أن هذا الطموح الكبير عرف عدة إكراهات بسبب الأزمة المالية ابتداء من سنة 2003 وما تبعها من انكماش اقتصادي دولي؛ الأمر الذي دفع المغرب إلى تبني مجموعة من الخيارات والمقاربات والنماذج التنموية لتجاوز حالة الجمود الاقتصادي وإعطاء دفعة قوية لكل مقومات التطور.

وإذا كانت التنمية هي مسؤولية مؤسسات الدولة التي تسهر على تصحيح كل الاختلالات وتبسيط كل المساطر الإدارية لخلق مناخ الأعمال وتوفير جميع شروط الاستثمار للمقاولات العمومية والخاصة، إلا أنه في بعض الأحيان تبقى شريحة واسعة من المجتمع، خصوصا التي لا تتوفر على دخل قار، خارج عن هذا الاهتمام بصفتها فاعلا مستهلكا وليس فاعلا منتجا أو حاملا لرأسمال معين.

إن الحديث عن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كتنظيم لمجموع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية التي تشتغل في إطار بنيات مهيكلة لأشخاص ذاتيين أو معنويين لتحقيق المصلحة المجتمعية كآلية من آليات خلق الثروة والمساهمة في القيمة المضافة للناتج الوطني الإجمالي، بالإضافة إلى خلف مشاريع صغرى مدرة للدخل والمشاركة في التنمية المحلية إلى جانب مختلف الفاعلين الاقتصاديين وكل مؤسسات التضامن الاجتماعي، هذا الصنف أو هذا العنصر من الاقتصاد يعيش بدوره عدة مشاكل تمويلية، كعدم وجود ضمانات تقدم للأبناك والمؤسسات المالية للحصول على كتلة تمويلية لتحسين بنية ومردودية المشروع، خصوصا على المدى القريب والمدى المتوسط، كما أن هناك أمورا مرتبطة بالتكوين واللوجستيك، وفي غالب الأحيان، فإن حاملي هذه المشاريع في حجمها الصغير غير خاضعين لتكوين تقني على مستوى التدبير التقني والمحاسباتي للمشروع، ناهيك عن البعد من مراكز المدينة وصعوبة الحصول على عناصر الإنتاج في الوقت المناسب.

إن تحديث الاقتصاد الاجتماعي يحتاج إلى مواكبة ملموسة لتحسين مردودية هذا القطاع باعتباره قد يشكل نواة الأقطاب الصناعية والتجارية والخدماتية الكبرى في المستقبل، ولا بد أن يدخل ضمن صلب السياسات العمومية للدولة وجل مؤسساتها، باعتباره بنية اقتصادية تحتاج إلى أسلوب تدبير علمي مبني على النتائج والبرامج، زيادة على توفير السيولة اللازمة عن كل مشروع قانون مالي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، مع تقديم كل الوسائل والآلات الإنتاجية أو تقديم تسهيلات على مستوى الأداء لمختلف الموردين ومختلف المزودين لهذا الفرع من الاقتصاد.

تغيير المقاربة الحالية التي تنهجها الدولة في التعاطي مع هذا النوع من الاقتصاد بصفته اقتصادا معيشيا ذا قيمة مضافة ضعيفة جدا وغير قادرة على التصدير، وبالتالي جلب العملة الصعبة، من هنا لا بد على الجهات الوصية من قطاع وزاري والمؤسسات الاجتماعية الأخرى التي تهتم بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني أن تتفاعل في ما بينها لتأسيس بنيته واستراتيجيته.

الواقع والتحديات:

أمام تفاوت نسب معدل النمو من سنة إلى أخرى، 2.7 في المائة سنة 2012، و4.4 في المائة سنة 2013، وارتباطه المباشر بالقطاع الفلاحي الذي يعاني بدوره من عدم انتظام التساقطات المطرية من سنة إلى أخرى، بالإضافة إلى وجود قطاع غير مهيكل يشتغل خارج مراقبة الدولة، احتل المغرب الرتبة 127 من أصل 187 بلدا، ناهيك عن مجموعة من الفوارق الاجتماعية بين المدن والقرى، كما أن المغرب يوجد أمام تحد كبير في مواجهة الفقر والبطالة والهشاشة، مما يستدعى البحث عن آليات أكثر مرونة وقادرة على خلق القيمة بشكل سريع إلى جانب القطاع العام والقطاع الخاص.

كيف يمكن تطوير الاقتصاد الاجتماعي والتضامني؟

نقترح هنا مجموعة الإجراءات والتدابير التي من شأنها النهوض بالاقتصاد الاجتماعي ليصبح اقتصادا قائما بذاته وله قدرة على خلق الثروة الاقتصادية والاجتماعية:

-وضع إطار تشريعي وقانوني كامل وشامل لتشجيع مزيد من المتدخلين ومنحهم ثقة هذا القطاع وتوحيدهم في عملية واحة مهما اختلفت أنشطتهم ومرجعياتهم التأسيسية (جمعيات، تعاونيات، مؤسسات صغيرة)؛ الشيء الذي سيكرس مزيدا من الحماية القانونية وتدبير كل المخاطر والأزمات المتوقعة.

-تحفيز ومصاحبة هذا القطاع: يتعين هنا تشجيع كل المبادرات الفردية ودعمها وتأهيلها من أجل تنفيذ برامج مهيكلة.

-خلق مرصد وطني للتنسيق مع كل القطاعات الحكومية المركزية، خصوصا مع الوكالات الجهوية، لتنفيذ المشاريع التي ينص عليها الإطار الجديد المتعلق بالجهوية المتقدمة.

-خلق شراكات دولية لتسويق المنتوج خارجيا وتطوير قدرته التنافسية عن طريق قيمة الابتكار والإبداع في المنتجات المؤهلة للتصدير.

-دراسة التجارب الدولية ومقارنتها والاستفادة منها، خصوصا بعض البلدان الأوروبية مثل فرنسا وبلجيكا وهولندا التي يساهم فيها الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بـ 10 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

إن من أهم الانتظارات التي تسطر للاقتصاد الاجتماعي والتضامني خلق نفس جديد لإزالة الضغط الهائل الممارس على القطاع العام والخاص من خلال إيجاد حلول جديدة للإدماج والتضامن، كما أن التعاونيات والجمعيات تبقى المكون الرئيسي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المغرب، وهو ما يعطيه محدودية كبيرة في مساهمته في التنمية الاقتصادية والإدماج الاجتماعي؛ ما يستدعي خلق ثقافة جديدة لصناعة اقتصاد اجتماعي بفكر وأسلوب مقاولاتي.