&فيصل العساف&

على المستوى الرسمي، في استطاعتنا الجزم بأن الإجابة عن السؤال محل الموضوع هي: «لا»، بدليل التحالفات الاستراتيجية التي رسّخت مكانة السعودية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وتمكن الإشارة هنا إلى ضخ الدماء في عروق العلاقة السعودية - الأميركية في شكل غير مسبوق ربما، بعد حال من الفتور بين البلدين، امتدت إلى قطع الطريق أمام مخططات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، في مصر والبحرين، وكذلك في اليمن التي شن السعوديون هجومهم على معاول الهدم الإيرانية فيه حتى من دون إشعار الأميركيين.


عربياً، يبذل السعوديون الجهود من أجل التوصل إلى تفاهمات تفضي إلى التقارب مع العراقيين، بغض النظر عن المعوقات التي تضعها إيران وعملاؤها في الطريق؛ أما ما يخص مقاطعة قطر التي يدندن حولها من يرمون السعودية بتهمة استعداء الآخرين، فإنها تأتي في مقام الشهادة للسعوديين بأن أجندتهم محددة، شكلاً باتخاذ التدابير السيادية التي يكفلها القانون الدولي، ومضموناً - وهو الشاهد هنا - حيث كانت السعودية وحلفاؤها دقيقين جدًّا في التصويب ناحية خطر «تنظيم الحمدين»، ومن الثابت اليوم أنهم لم يأخذوا بعض المواقف الخليجية أو العربية المائعة بجريرة قطر.

في السياق ذاته، تعد تركيا مثلاً ساطعاً على رصانة الديبلوماسية السعودية عندما حافظت على لياقتها أمام «همَزات» بعض المسؤولين الحكوميين الأتراك، الكبار أحياناً! وعلى رغم أن الشأن التركي بأبعاده السياسية وتداعياته الاجتماعية، يقدم نفسه في القالب القطري ذاته الذي يقوم على «التخادم» بين النفاق السياسي ووسائل الإعلام المشبوهة، على طريقة «احمني من الخلف» بالدعايات الكاذبة والأراجيف المضللة! ولعل هذا ما يفسر تحميل الحكومة السعودية مسؤولية (ردود الأفعال) التي يتم طرحها في أروقة الرأي بين الفينة والأخرى، في فصل جديد من فصول الكيل بمكيالين، يمارسه المتضرر من كشف نوايا رهبانه، في عمل ممنهج يهدف إلى تمرير طقوس الخيانة على الجميع.

من في السعودية يسعى إلى استعداء الآخرين إذاً؟ لنأخذ الملف الفلسطيني كشاهد إثبات على أن النوايا المبطنة هي ما يغلف كل الاتهامات ضد السعودية التي ظل موقفها ثابتاً من الاحتلال، على رغم المتغيرات وحملات التشويش والتشويه المنظمة ضدها بغية التأثير فيها، حتى قطع الإعلام الإسرائيلي قول كل خطيب بإعلانه اغتيال السعوديين «صفقة القرن» التي بصم «الإخونج» بالتضامن مع تركيا وقطر عليها. بحسب الأمثلة السابقة، يبدو أن الحزم السعودي تجاه مواقف بعينها هو أصل المشكلة، وليس أي شيء آخر، فالسعوديون على مستوياتهم المختلفة يعلنون البراءة من الذين تسلقوا الدين بنيّة تحقيق المصالح السياسية، سواء أكان المتسلق ملالي إيران الطائفيين أم عمائم المكر «الإخوانية»، جميعهم في سلة إرهاب واحدة، تشيع أن السعودية هي السبب الرئيس لحال الإعياء الشديد التي تكابدها المنطقة برمتها.

أخيراً، لا أظن مناسباً أن نتجاوز الحديث عن «الذباب الإلكتروني»، وهو الاسم المعادي لموقف السعوديين الحاشد والمتلاحم قبالة التحديات، وفي تحليلي الخاص أن السيطرة الشعبية السعودية على مواقع التواصل الاجتماعي، والنشاط اللافت في ما يخص كشف ألاعيب الإعلام الرسمي المعادي، يمكن أن يوضع في خانة التبرير لهذا التجاوز اللاأخلاقي في وصف المخالف، فالصراخ على قدر الألم كما يقال.