سليمان جودة

&تبدو حركة «التوحيد والإصلاح» المغربية، أشد رغبة في التوجه نحو الاعتدال، وهي تدعو إلى مؤتمرها العام السادس في العاصمة الرباط، غداً الجمعة، وتبدو وكأنها تعقد المؤتمر، بينما لسان حالها يقول: «لسنا ككل حركات الإسلام السياسي في المنطقة؛ لأننا شيء، وباقي الحركات من هذا النوع شيء آخر!».
إن حركة «التوحيد والإصلاح» في المغرب، هي الذراع الدعوية لحزب «العدالة والتنمية»، الذي يحكم من خلال ائتلاف مع عدة أحزاب، منذ ما بعد أحداث ما لا يزال يُسمى «الربيع العربي». لقد حكم لخمس سنوات فيما بعد تلك الأحداث، عندما فاز وقتها بالأكثرية من مقاعد البرلمان، وكان رئيس حكومته هو عبد الإله ابن كيران، وحين أنهى البرلمان دورته، جرت انتخابات جديدة العام الماضي، حاز فيها الحزب أكثرية المقاعد أيضاً، وقد كان يسعى إلى حيازة أغلبية المقاعد، لا أكثريتها، ليشكل الحكومة منفرداً، ودون أن يكون مضطراً لتشكيل تحالف مع أحزاب أخرى، ولكنه لم يستطع، فتحالف ليشكلها برئاسة سعد الدين العثماني، الذي يظل واحداً من القيادات البارزة فيه!


ومنذ تجربة «الإخوان» السيئة في الحكم في مصر، على مدار عام كامل، والسؤال لا يتوقف عن حدود العمل الدعوي الحركي في مثل هذه الحالات، ثم عن حدود العمل السياسي الحزبي. أين ينتهي الأول؟ وأين يبدأ الثاني؟! لقد أسس «الإخوان» حزب «الحرية والعدالة»، وخاضوا من خلاله انتخابات الرئاسة وفازوا. ولكن الممارسة على الأرض أثبتت أنهم عجزوا تماماً عن الفصل بين ما هو دعوي حركي في الجماعة، وبين ما هو سياسي حزبي في الحزب، فخلطوا بينهما. وكان محمد مرسي وهو يجلس على الكرسي في القصر، يبدو في كل الأوقات أسيراً لدى الجماعة في مقرها فوق جبل المقطم، وكان هذا واضحاً للعين المجردة!
ولم تنتبه الجماعة في ذلك الوقت، إلى أن المصريين الذين منحوها أصواتهم في الانتخابات، لن يقبلوا بمثل هذا الخلط، ولن يقبلوا أكثر بأن تكون الجماعة فوق الدولة، أو فوق الوطن، أو فوق البلد. لم تنتبه رغم أجراس إنذار كثيرة. فكان ما كان في ثورة الثلاثين من يونيو (حزيران) 2013!


ولكن حركة «التوحيد والإصلاح» المغربية تعي درس «الإخوان» جيداً، فيما يظهر أمامنا، سواء من خلال تصريحات شهيرة لعبد الإله ابن كيران، وقت أن كان على رأس الحكومة، أو حتى من خلال عبد الرحيم شيخي، رئيس الحركة، وهو يصرح لهذه الجريدة صباح الخميس الماضي، فهو يقول ما معناه إن لدى الحركة توجهاً نحو مزيد من الفصل بين ما هو سياسي حزبي في الحزب، وبين ما هو دعوي حركي في «التوحيد والإصلاح». وحين سُئل عن غياب الحركة عن التفاعل مع كثير من القضايا المجتمعية والسياسية التي كانت مُثارة طوال الفترة الماضية، كان رده أن حركته باتت تفضل التداخل الهادئ البنّاء مع مختلف الأحداث، على الوجود الاحتجاجي الصارخ، الذي يجرها بطبيعته إلى معارك وهمية، وإلى سجالات لا طائل من ورائها!


ومن قبل، كان ابن كيران الذي يقال كلام قوي عن ترشيحه لرئاسة الحركة في مؤتمر غد، لا يتوقف عن ترديد عبارات ذات معنى واحد. وكان المعنى الواحد الذي كان الإعلام ينقله عنه باستمرار، أن حزب «العدالة والتنمية» ليس حزباً إسلامياً، ولكنه حزب ذو مرجعية إسلامية. وهناك فارق بالطبع بين المُسميين. وأنه إذا كان قد جاء إلى الحكم، فإن ذلك كان بأصوات الناخبين، وليس بشيء آخر، ولذلك، فهو موجود في الحكم من أجل حل المشكلات الحياتية لهؤلاء الناخبين، وليس أبداً من أجل أن يفرض عليهم رؤيته للإسلام. هكذا كان الرجل يقول دائماً وقت وجوده على رأس الحكومة!
وأي مقارنة بين كلام شيخي، وهو يتحدث من داخل الحركة، وبين كلام ابن كيران، وهو يتحدث في وقته من داخل الحزب، تكشف عن وعي لديهما بأن هناك مسافة بين الكيانين لا يجوز القفز فوقها، وأن ما هو دعوي حركي لا بد أن يظل كذلك، وألا يتعدى دائرته المرسومة، وأن ما هو سياسي حزبي ينطبق عليه نفس الشيء، وأن الخلط بين هذا وبين ذاك سوف يفسدهما معاً!
ولكن المتابع لاتجاهات الريح داخل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لا بد أن يتساءل عما إذا كانت توجهات مؤتمر «التوحيد والإصلاح» السادس، لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة، باتجاهات الريح تلك، أم أن التوجهات تعبير عن قناعات مستقرة في داخل الحركة، ومن بعدها في داخل الحزب وهو يمارس الحكم. إنه سؤال لا ينشأ من فراغ، وإنما له ما يبرره كما سوف أشير حالاً!


ففي منتصف يوليو (تموز) الماضي، نشرت صحافة المغرب مقتطفات متفرقة، عن محسوبين على إدارة ترمب يعتقدون، في أن تنظيم «الإخوان» الأم في القاهرة، لا بديل عن أن يوضع على لائحة الإرهاب، ومعه كل التنظيمات أو الأحزاب السياسية التي تتفرع عنه، فكرياً، في كل دولة عربية. وقد كانت هناك إشارات خجولة عن أن مثل هذا الكلام، يمكن أن ينطبق على «التوحيد والإصلاح»، وعلى «العدالة والتنمية» نفسه، ثم على «حركة النهضة» في تونس من بعدهما. أقول «إشارات خجولة»؛ لأن هناك محسوبين على الإدارة نفسها يعتقدون في العكس، ويستبعدون «العدالة والتنمية» المغربي تماماً، من احتمال الوضع على قائمة الإرهاب؛ لأن ممارساته في السلطة تبتعد به عن هذا المربع، ولأن قناعاته المُعلنة تقول إنه بعيد عن فكر «الإخوان» المتشدد، وأقرب إلى الفكر المعتدل في كل الحالات!
من ناحيتي، أعتقد في اعتدال «العدالة والتنمية» المغربي بالفعل، فما يقوله يشير إلى اعتدال ملحوظ على المستوى النظري، وما يفعله يسجل لاعتدال ظاهر على المستوى العملي؛ ولكن هذا لا يمنع أن الإدارة الأميركية تموج بالشيء وعكسه تجاه «العدالة والتنمية» في المغرب، وتجاه سواه في غير المغرب، فتعطي إشارات بما يثير القلق أحياناً، وبما يبعث على الطمأنينة في أحيان أخرى!
والقضية بشكل عام لا تختفي من الصحافة المكتوبة في المغرب، حتى تعود إليها، ولا تعود حتى تختفي، وقد يكون ظهورها من فترة إلى فترة راجعاً إلى خصوم سياسيين لا يتوقفون عن الكيد لـ«العدالة والتنمية»، ويتمنون له أن تتعثر تجربته، وأن تتعطل مسيرته، وأن ترتبك خطواته، فيغادر الحكم ليجلسوا هُم في مكانه. قد يصح هذا، وهذا على كل حال من نوع الكيد السياسي المتوقع في كل حياة سياسية، يتصارع أطرافها على الكرسي، وعلى الوصول إلى مقاعد السلطة، ثم البقاء فيها!
ففي 14 يوليو، نشرت صحيفة مغربية يومية، هذا العنوان بالخط العريض: «هل يوضع البيجيدي على لائحة الإرهاب؟!». و«البيجيدي» لمن يتابع الصحافة هناك، هو الاسم المختصر، الذي يُعرف به حزب العدالة والتنمية إعلامياً، في صحافة المغرب!
مؤتمر غد سوف يكون عليه أن يضع نقاطاً كثيرة فوق حروفها!