&سمير عطا الله

&ربما لم يتعرض زعيم سياسي لعبور مضايق التاريخ والحياة مثل الملك حسين بن طلال، ثاني ملوك الأردن. ولن تعرف حقاً ما معنى «مضيق» إذا لم تكن قد عبرت مضيق ماسينا الإيطالي ذات مساء، حيث تناور العبارة البحرية جانبيها بفارق الخيط الرفيع.


استيقظ الحسين على الحياة وهو يرى جده يسقط قتيلاً أمامه بعد صلاة الجمعة في المسجد الأقصى. بعد أعوام قليلة ذُبح ابن عمه، فيصل، ملك العراق، أقرب الناس إليه. وذُبح معه سائر الفرع العراقي من العائلة الهاشمية. بدل أن يتلقى العزاء، وجد معظم العالم العربي يهلل لعبد الكريم قاسم ومهاجمي «قصر النهاية».
شعر الفلسطينيون حياله بعداء شديد بسبب ضم الضفة الغربية إلى الأردن، فيما كان يدرك أن حقد إسرائيل أكبر لأسبابها التوراتية. تآمر لإزاحته الشيوعيون والقوميون والبعثيون، فنجا. وحاول العراقيون والسوريون الزحف عليه، فصمد. وحاول الفلسطينيون إسقاطه بالقوة العام 1970، فأخفقوا.
اتهم بالتحالف المطلق مع الأميركيين، لكنه أدرك أن مساندتهم هشة، فقرر شراء الأسلحة من السوفيات بعد 67، وعندها فقط استجابوا لطلبه. وحاول مرتين أن يُبلغ الرئيس جمال عبد الناصر بالعدوان الإسرائيلي في 5 يونيو (حزيران)، غير أن الرئيس المصري أبلغه فيما بعد أنه لم يصدق كلامه.


لم يقل الزعماء العرب في أحد ما قالوه في الملك حسين، وكان يرد بأدب الملوك، أو بالصمت. وكانت الإذاعات والصحف العربية تتعرض لشرف أمه، الملكة زين، كل يوم. وكان يصاب بجرح بليغ كل يوم، لكنه لم يخرج من لغته إلى لغتهم في أي يوم. كان بليغاً بالعربية، ضليعاً بالإنجليزية، وأديباً بجميع اللغات.


بنى دولة كانت «شرق الأردن» فأصبحت من أهم وأقوى الدول. عندما حاول شراء طائرتين مستعملتين من إسبانيا قال له الأميركيون ما لك وشركات الطيران. اليوم يتقد الأردن في السلاح الجوي والطيران التجاري والعلوم والطب وحتى في الزراعة. وظل هو يقود طائرته الخاصة إلى أن شله المرض بعد 47 عاماً من أطول وأعقد وأصعب تجربة حكم في العالم العربي.
أصعب وأعقد ما فيها، باعتقادي، كيف صالح جميع خصومه: عانق عبد الناصر، وعانق ياسر عرفات، وأشرف على علاجه في مستشفى القوات المسلحة، وكان يعوده كل يوم. أما الذين دبروا الانقلابات ضده في الداخل، فجعلهم رؤساء حكومات ووزراء وسفراء. ومنح أكثر المناصب حساسية في القصر والأمن لرجال من العراق.