طبيبة.. مهندسة.. معلمة.. نماذج لنساء متعلمات على أعلى درجة من الثقافة والعلم، حققن مكانة مرموقة في المجتمع، خرجن من قلب صعيد مصر ليحصدن احترام الجميع، فهن قدوة لكل فتاة طموحة ولكن تلك الصورة الجذابة تتلاشى تماماً داخل الجدران المغلقة، حيث تمتهن الكرامة، وتفتقد القدرة على الحوار، ويتحولن إلى ضحايا العنف والتعدي اللفظي والجسدي ما ينعكس على نجاحهن في الحياة، وبالتدريج يفقدن الثقة بالنفس وبالأسرة، وبالعالم من حولهن، ومن خلال معايشتها لهذا الواقع قررت بنت الصعيد إنجي رأفت، اختصاصية علم النفس، أن تتصدى لظاهرة العنف ضد المرأة بمبادرة جريئة اختارت لها اسم «تقدري» لتعيد لهن الأمل في حياة أفضل.

فئات مستهدفة


تقول إنجي إن «أكثر الفئات معاناة من حيث العمر والمستوى الثقافي والاجتماعي هن بنات ونساء متعلمات وعلى درجة لافتة من الأناقة، والغالبية ينتمين إلى شريحة اجتماعية وثقافية عالية، ما جعلني أقرر أن أعمل عكس أغلب التنمويين، فبدأت بالمدينة والحضر فقد استوقفني ما تتعرض له النساء من عنف بكل الصور رغم ما يتمتعن به من مستوى مادي جيد جداً ومركز علمي متميز ومظهر غاية في الرقي، وبدأت بتنظيم ندوات ولقاءات لتوعية المرأة».


وتضيف: «بدأت بمفردي ولأنني خريجة جامعة أسيوط عرضت الأمر على أساتذتي ورئيس الجامعة، ووجدت كل الدعم منهم خاصة وحدة مناهضة العنف ضد المرأة والتي تقدم لهن الدعم النفسي والقانوني، وتحركت لعمل بروتوكولات مع مؤسسات أهلية تربطني بها علاقات جيدة، ووجدت تعاونا من مؤسسة جمعية سيدات الأعمال بأسيوط، ونجحنا في تقديم الدعم لعدد كبير من السيدات اللاتي كن ضحايا للعنف».
وحول أكثر الأسباب التي تجعل المرأة ضحية للعنف الأسري، تقول «كثير من الحالات يرجع إلى غياب التفاهم بين الزوج والزوجة».

الخجل والمجتمع


وتبرر تركيزها على فئة النساء في المدن بدلا من القرى، قائلة: «أهتم بالمرأة في المدن لأنني أشعر بأن معاناتها أكبر وأكثر قسوة أولا لأنها تخجل في البداية من الحديث عما تتعرض له من عنف، وثانيا لم تكن تتوقع أن تتعرض للإهانة في بيتها وخاصة من الزوج الذي يفترض فيه أن يكون مدافعا عنها ضد أي شيء يمس كرامتها وخلفيتها الثقافية والاجتماعية، ما يجعلها تريد الحفاظ على صورتها في المجتمع، في حين إن النساء في القرى الأقل من حيث المستوى الثقافي والاجتماعي فقد لا يشعرن بهذا القدر من الألم النفسي؛ لأن اعتمادهن الأساس على الرجل في وغالبيتهن لا يعملن، وتدور حياتهن حول ما يريده الرجل، فضلا عن أن غالبية الجمعيات والمؤسسات الأهلية تركز عملها في دعم وتنمية المرأة الأكثر احتياجا والأقل تعليما لتوفر لها فرص عمل ودخلا ماديا يحسن حياتها.

«دماغ الرجالة»


وتشير إنجي إلى أن دعم المرأة يحتاج إلى تغيير نظرة المجتمع للمرأة، مضيفة «خلال عملي تأكدت من أهمية تغيير بعض المفاهيم والسلوكات المغلوطة عند الرجل لأنه يساهم في خلق تلك المشكلة، ونظمنا برنامجا بعنوان «دماغ الرجالة»، عبارة عن محاضرات للرجل، لأول مرة نذهب للرجل ونتحدث معه عن كثير من تفاصيل العلاقة بين الزوجين، واحترام كل منهما للآخر، وحتى لا يكون البرنامج وكأنه دروس جافة نظمنا لهم أياما رياضية يتخللها ندوات وجلسات لتعديل السلوك، ونتناول فيها أشهر كتاب «رجال من المريخ ونساء من الزهرة» للطبيب النفسي الأميركي جون جراي ونعطي الفرصة للشباب والرجال لاكتشاف أنفسهم والرجوع لطفولتهم ومعرفة احتياجاتهم النفسية، ونقدم مسرحيات وأغاني وورش حكي ومجموعات سرية علاجية ودورات ثقافية مجانية بمشاركة هيئات ومنظمات دولية متخصصة تشمل الشباب من سن 12 إلى 19 سنة، وأخرى من سن 20 إلى 40 سنة وكان الهدف منها هو اكتشاف المعنى الحقيقي للرجولة».&
وتذكر «الدورات والمبادرات أحدثت تغييراً جذريا في المجتمع بشقيه الرجل والمرأة، وكذلك الشباب لينشؤوا ولديهم رؤية واضحة عن العلاقة الصحيحة بين المرأة والرجل».

مسرحيات هادفة


تقول إنجي رأفت، إنه «بعد فترة من العمل وجدت أن الفن يساهم في توصيل الرسالة بطريقة أكثر جاذبية وغير مباشرة وبالفعل بدأنا حملة«شتقدري» في إعداد مجموعة من المسرحيات الصغيرة التي تتناول أشكال العنف الذي تتعرض له المرأة، ونستخدم تلك العروض الفنية كطريقة لتوعية المرأة بدلاً من النصح المباشر الذي قد يقابل بالرفض».

حلول واقعية


ترى الناشطة إنجي رأفت أن مبادرة «تقدري» فكرة قابلة للتطوير والإضافة وهو ما جعلها تستمر وتنجح لأنها تجدد أساليبها ورسائلها، ويضاف إليها كل يوم ملامح جديدة تجعلها أكثر تأثيراً وتفاعلاً، مشيرة إلى استخدام أساليب نفسية حديثة تكشف فيها بعض السيدات اللاتي تعرضن للعنف، ونجحن في التغلب عليه بحيل وأساليب غاية في الذكاء والدبلوماسية، وهي حلول واقعية ناجحة يتم خلالها اختيار نماذج من القصص التي تعيد الثقة للمرأة وتخلصها من إحساس العجز.