&وحيد عبدالمجيد

&

تلقيت تعليقات عدة تتضمن وجهات نظر مختلفة حول ما جاء فى اجتهادات الاثنين الماضى «المدرسة السنية» عن انتماء أسرة محمد على إلى مصر، وإيمان معظم أبنائها بأنها وطنهم وليست مجرد بلد حكموه. كان محمد على ألبانى الأصل كما يعرف الجميع. غير أنه لم تكن هناك دولة ألبانية عندما جاء إلى مصر، وصار والياً عليها عام 1805.

وتصادف أننى اطلعتُ، فى الوقت الذى كنت أتابع فيه هذه التعليقات، على كتاب صدر قبل أسابيع قليلة للأكاديمى الكوسوفى - السورى الكبير محمد الأرناؤوط تحت عنوان (الجالية المخفية. فصول من تاريخ الألبان فى مصر). لم يناقش المؤلف الانتماء الحقيقى لمحمد على وأسرته بشكل مباشر. ولكن معظم ما نستنتجه منه أن انتماء هذه الأسرة لمصر كان أقوى أثرا من أصلهم الألبانى الذى بقى معهم بالتأكيد، كما هى حال أغلبية ساحقة ممن يهاجرون من بلد ويعيشون حياتهم كلها فى بلد آخر، وينشأ أبناؤهم وأحفادهم فيه.

يقدم المؤلف وجهات نظر مختلفة لمؤرخين ألبان حول دوافع محمد على لدعم انتفاضات فى بعض المناطق التى دخلت ضمن حدود ما صار يُعرف بالدولة الألبانية بعد انتهاء السيطرة العثمانية عليها عقب الحرب العالمية الأولى. لكن الاتجاه, الذى نظر إلى ذلك الدعم من زاوية إشغال الدولة العثمانية هناك حتى يضمن النجاح لمشروعه فى مصر, يبدو الأقوى.

وفى هذا الكتاب الشيق ما يقرب من أن يكون حصراً لعلاقات أبناء الجالية الألبانية فى مصر بوطنهم، وأدوار الشخصيات الكبيرة بينهم فى العمل من أجل ما يسميه النهضة القومية الألبانية. ولكننا لا نكاد نجد دوراً لأبناء أسرة محمد على فى هذا المجال.

وحتى تفاعل الأمير فؤاد مع فكرة ترشيحه لعرش ألبانيا، كان فيه من الإغراء أكثر من الانتماء. وما أن أتاحت ظروف الحرب الأولى تنصيبه سلطاناً على مصر تحت الحماية البريطانية حتى صرف نظراً عن تلك الفكرة التى كانت فرصتها ضعيفة فى كل الأحوال.

والحال أن تصرفات أمراء الأسرة العلوية وأميراتها يؤكد أن انتماءهم لمصر لم ينازعهم فيه أصلهم الألبانى حتى على مستوى الهوية الثقافية، حيث كانت الثقافة الغالبة لدى معظمهم مصرية ممزوجة بقيم أوروبية وتقاليد تركية بالأساس.