خليل علي حيدر

نقل اللاجئون والمهجرون القسريون السوريون معهم، وسط محنتهم المتواصلة، عذابهم وأحلامهم المنهارة وغضبهم وعوزهم ويأسهم. ولكنهم حملوا معهم كذلك إلى لبنان والأردن ومصر وتركيا وحتى ألمانيا، الكثير من حيويتهم الخلاقة ودنيويتهم وانفتاحهم الاجتماعي الذي شوهه الإسلام السياسي، وحملوا معهم ثقافتهم التجارية العريقة وحيويتهم المتدفقة، والكثير غير ذلك.
وما أن نزلوا بتلك المجتمعات التي تعاني بدورها ما تعاني من مشاكل، حتى انطلق كل منهم يمارس مهنته، ويجدد حياته ويستأنف تجارته وحرفته. ولم يتخل عن «الاسترزاق» حتى المتلاعب والنصاب، غير عابئ بتشويه سمعة المهاجرين وسط أمواج من حملات الاستياء والكراهية.
وكانت إحصاءات سنة 2014 في لبنان، تقول المحررة «سارة حطيط» في «الشرق الأوسط»، «أظهرت أن 66 في المئة من الجرائم المرتكبة ارتكبها لبناني بحق لبناني في مقابل 12 في المائة ارتكبها سوريون بحق سوريين، و5 في المائة ارتكبها سوريون بحق لبنانيين». (01 - 08 -2017).
وأضافت «حطيط» أن بعض البلديات اللبنانية، تفرض خطر تجول على السوريين بعد الساعة الثامنة مساءً، في وقت تكال فيه اتهامات للسوريين بأنهم «دواعش» في مناطق أخرى.
ويقول علاء الدين الجاسم، الذي يعيش في لبنان منذ عام 2012، إن ما يتعرض له السوريون في الوقت الحالي «لم يشهد له مثيل»، ويضيف «يصفونني اليوم بـ «الداعشي» وتنهال عبارات مطالبة برحيلي إلى سوريا، في حين لم أكن أسمع كلمة واحدة تشعرني بأنني غريب عن أبناء البلدة في وقت سابق». وتقول الصحيفة، إن هذه النزعة تنامت ضد السوريين «في أعقاب تفجيرات انتحارية وأعمال إرهابية ضربت لبنان، تبين فيما بعد أن سوريين متورطين بالانتماء لتنظيمات متطرفة، كانوا مسؤولين عنها». غير أن مخاوف بعض السوريين من تأثير هذه النزعة، «يبددها انتشار عشرات الآلاف منهم في مناطق لبنانية، يمارسون فيها حياتهم الطبيعية، ولم يتعرضوا لأي إشكال».
تصاعد التوتر ضد السوريين في لبنان -تقول الصحيفة- ليس وليد اللحظة، بل «تعود أسبابه إلى حقبة وجود الجيش النظامي السوري في لبنان، حيث يحمل اللبناني في ذاكرته توترات تجاه السوريين، كما تقول الباحثة الاجتماعية منى فياض، التي ترى أن «كل ما يظهر حالياً من اشتداد في خطاب الكراهية نابع من ترسبات الاحتلال السوري للبنان».
غير أن الباحثة «فياض» تشعر بتشاؤم عميق إزاء مستقبل العلاقة بين السوريين واللبنانيين، وترى استحالة الاندماج بينهما. «لأن هناك اختلافاً كبيراً بين الشعبين من حيث العادات والتقاليد والبيئة المحافظة».
وتضيف: «من غير الممكن دمج سكان غرباء، عاشوا سنين تحت سلطة ونظام مختلف عن نظامنا. وأصلاً يصعب الاندماج في بلد استقبل السوريين غصباً عنه، ويفتقد إلى إدارة جيدة للأزمات. فلبنان بلد يعاني من فساد، وأزمة كهرباء ومياه وبطالة من قبل الوجود السوري، ولم يستطع حل أي أزمة داخلية ولا يمكنه القيام بأي سياسة أكبر من إمكاناته».
ويرى تقرير «محمد الدعمة» من عمّان بالأردن أن الاقتصاد الوطني قد استفاد من ازدياد الطلب على السلع والخدمات التجارية، «فضلاً عن تدفق المساعدات الخارجية من الدول المانحة بشكل غير مسبوق».
ويبلغ عدد السوريين في الأردن 1.4 مليون يعيش 125 ألفاً منهم في المخيمات على نفقة الأمم المتحدة والدول المانحة، فيما تعيش غالبيتهم بإمكانياتهم المالية الخاصة.
أما وزير التخطيط والتعاون الأردني، فقد صرح بأن عدد اللاجئين المسجلين في الأردن، سوريين وغير سوريين فيما يبدو، 2.8 مليون لاجئ، «مما يجعله أكبر دولة مستضيفة للاجئين في العالم من حيث القيم المطلقة والنسبية».
وقد أثّرت الحياة اليومية للسوريين على المجتمع الأردني، كما جاء في تقرير «محد الدعمة» إذ «يُلاحظ في المدن الأردنية انتشاراً واسعاً للمحال السورية من المطاعم ومحال الحلويات والمأكولات الشامية، وباتت المدن الأردنية تسهر للصباح بعد أن كانت تغلق الأسواق عند منتصف الليل». ويبدو أثر اللاجئين أكثر وضوحاً في محافظات الشمال المتاخمة للحدود السورية، كإربد والمفرق والرمثا، وهي التي اعتاد سكانها النوم باكراً، «فعلّمهم اللاجئون السوريون السهر، والمحال التي كانت تغلق باكراً، أصبحت تفتح أبوابها حتى ساعات الصباح».
ويضيف الدعمة في تقريره أن المشهد كان مستهجناً «بخروج النساء والفتيات السوريات يمشين من دون مرافقة رجل في ساعة متأخرة، ونظر إليهن سكان تلك المحافظات بادئ الأمر بشيء من الريبة والشك، واختلفت النظرة مع الوقت، عندما أدركوا أن المشي والتسوق في ساعة متأخرة جزء من النمط الاجتماعي للسوريين، نمط بات يقلده الأردنيون».
كما عمد الأردنيون إلى تغيير الكثير من أسماء المحال التجارية لتحمل أسماءً سورية، وتخصصت المطاعم هناك بتقديم الوجبات السورية، التي بات الأردنيون يقبلون عليها أكثر من اللاجئين.
من جانب آخر، «أصبح اللاجئون السوريون ينافسون الأردنيين على فرص العمل الشحيحة، ودافعهم رغبة في تحسين واقعهم المعيشي نتيجة لتقلص الإغاثة المقدمة لهم خارج مخيمات اللجوء، ومنح أرباب العمل اللاجئين السوريين الأولوية في التوظيف، فهم تجار مهرة، وأيد عاملة رخيصة تصل إلى 300 دينار في الشهر، الأمر الذي أثر على أجور العمالة الأردنية، كما أن ظاهرة عمالة الأطفال انتشرت في الأردن بين الأطفال السوريين، بعدما عجزت المدارس الحكومية عن استيعاب 40 ألفاً ينتظرون السنة الدراسية المقبلة للدخول إلى المدارس». ولم يخل اللجوء السوري من أوجه سلبية في الأردن، كما يظهر تقرير «الدعمة» في الشرق الأوسط، 01-08-2017. ويقول إن هذا اللجوء «أثّر في ظاهرة انتشار المخدرات والرذيلة بين الشباب، حيث تقوم السلطات الأردنية بإنزال أشد العقوبة على مروجي المخدرات، التي تصل إلى السجن المؤبد، أو قذفه إلى سوريا عبر الحدود».