اعترف وزير الخارجية الأسبق جون كيري بأن الولايات المتحدة «دفعاً ثمناً غالياً لعدم تنفيذ تهديدات الخط الأحمر»، الذي رسمه الرئيس السابق باراك أوباما في سوريا التي باتت «جرحاً مفتوحاً».

وقال كيري في تصريحات قبل إصدار كتابه الجديد المطروح في الأسواق الأميركية «كل يوم.. اضافي» «Every Day Is Extra»، إنه لم يتمكن من إقناع الرئيس أوباما آنذاك أن الرئيس السوري بشار الأسد في حاجة إلى أن يتعلم درساً بعد قيامه بانتهاك وقف إطلاق النار واستخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه. وأكد كيري، أن بلاده دفعت الثمن في نهاية المطاف للتقاعس عن العمل إزاء إقدام الأسد على استخدام الكيماوي

وقال كيري «لقد دفعنا ثمن عدم تنفيذ تهديدات الخط الأحمر»، في إشارة إلى التهديد الذي أصدره الرئيس السابق أوباما عام 2012، محذراً بأن استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية سيؤدي إلى رد عسكري من جانب الولايات المتحدة، وهو التهديد الذي لم ينفذه أوباما في ذلك الوقت رغم إقدام نظام الأسد على استخدام الكيماوي.

وكان من أبرز المواقف خلال عهد أوباما حول خروجه في أغسطس (آب) 2012، محذراً الأسد من أن استخدام الأسلحة الكيماوية سيعد خطاً أحمر إذا تم تجاوزه فسيكون هناك تغيير في قواعد اللعبة. وقي أعقاب هجوم للنظام السوري بالغاز الكيماوي على المدنيين في أغسطس 2013، استعد أوباما لضربة ضد سوريا، لكنه طلب موافقة الكونغرس أولاً على توجيه الضربة، ثم تراجع عن توجيه الضربة.

وقال كيري، إنه فوجئ بقرار الرئيس أوباما بالتراجع عن الضربة. وقال «ظننت أننا سنمضي قدماً، واعتقدت أن الضربة ستكون بنهاية الأسبوع، وكنت أتوقع مكالمة تليفونية يخبرني فيها أنه (أوباما) سيوجه ضربة خلال هذه الليلة، أو سيخبرني بما سيحدث، لكن لم يحدث ذلك، وأصبحت وظيفتي حينها التأثير على سياسة الرئيس وقد بذلت قصارى جهدي في الذهاب إلى الكونغرس والجدل حول القضية». وأضاف كيري «لقد كتبت أننا دفعنا ثمناً لذلك، وليس هناك شك في ذلك، لقد دفعنا الثمن وأي تفسيرات أو مبررات وأي شيء آخر لن يغير التصورات والتصورات أحياناً ما تكون مؤثرة جداً في الدبلوماسية والسياسة».

وشرح كيري ما دار من مشاورات في ذلك الأمر، قائلاً «لقد طرحت هذه الأفكار على الطاولة ولم يقتنع الرئيس أوباما بحجتي، أعتقد أنه كان لدينا خيارات عدة كنا نستطيع القيام بها في ظل مخاطر منخفضة للغاية لنكون قادرين على توصيل رسالة للأسد، إنه عندما كان وقف لإطلاق النار وعندما قال (الأسد) إنه سيلتزم به ولم يقم بذلك، أعتقد أنه كان علينا أن نقوم بالرد (قاصداً تنفيذ تحذيرات الخط الأحمر وتوجيه ضربة عسكرية ضد الأسد آنذاك).

وحاول كيري أن يتجنب صراحة انتقاد أوباما بأنه كان يكره المجازفة بالتدخل في الحرب السورية. وقال إن «الرئيس السابق كان له موقفه وتقييمه الخاص تجاه سوريا، وما الذي يمكن أن يحدث إذا اتبع الأفكار التي قدمتها وقدمها آخرون حول الرد على الرئيس الأسد». وأضاف «هذا ما واجهته، وجهته في الشرق الأوسط، واضطررت إلى الرد عليه لفترة طويلة من الزمن، ولا أظن أنه من العدل القول إن الرئيس كان ضعيفاً؛ فالرئيس قام بالكثير من القرارات في المواقف الصعبة، وقام بالكثير من الأمور التي تظهر أنه كان لديه بوصلة أخلاقية واضحة جداً ومجموعة واضحة من القيم والمبادئ التي بها كان يعرف أنه يحمي بلادنا».



وقال كيري، إنه فخور أنه لم يتوقف عن المحاولة لتحقيق الاستقرار في سوريا. وقال «حتى حينما كان الوضع صعباً، وحينما بات قاتماً لم أندم قط على طرح الفكرة على الطاولة، وأعتقد أن النتيجة كانت رائعة، بمعني أننا حصلنا على دفع النظام السوري لإعلان التخلص عن كل ما لديه من أسلحة كيماوية، في إشارة إلى الصفقة التي توسطت فيها روسيا عام 2013 لتجنب توجيه ضربة أميركية ضد سوريا مقابل إزالة كل الأسلحة الكيماوية لدى النظام السوري.

واعترف كيري بأن النظام السوري لم يتخلص من الأسلحة الكيماوية كافة، بدليل استمرار استخدامها خلال إدارة الرئيس ترمب. وقال «نعم، كنا نعلم أن هناك مواد كيماوية، وعلمنا إذا هناك مادة الكلور لم يتم الإعلان عنها، وهذا تغيير في النظام الذي يقيسون به الأسلحة الكيماوية». وكان النظام السوري قد استخدم الأسلحة الكيماوية في مايو (أيار) 2015 بعد أن أعلنت إدارة أوباما أن سوريا سلمت مخزونها من الأسلحة الكيماوي بالكامل، ورفض أوباما آنذاك اعتبار غاز الكلور من المواد المدرجة تحت مسمى سلاح كيماوي.

ورغم أن كيري انتقد علانية سياسات الرئيس الحالي دونالد ترمب، لكن أوضح أنه يدعم جزئياً الضربة العسكرية التي أمر بها الرئيس ترمب ضد الأسد بسبب إقدام النظام السوري بشكل مستمر على استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين. وقال، إن الجهود الدبلوماسيين يجب أن تتبع هذا العمل العسكري، وأضاف «لقد أيدت استخدام القوة، لكني لا أؤيد القيام بها مرة واحدة، حيث يتم إسقاط بضعة قنابل ولا توجد متابعة ولا جهد إضافي لاستخدام هذه الضغط للوصول إلى حيث تريد، وأعتقد أن الرئيس كان ينبغي أن يفعل ذلك».

من جانبه، وجّه الرئيس ترمب انتقادات لاذعة لجون كيري، واصفاً وزير الخارجية الأسبق عبر تغريدة مساء الاثنين بأنه «أبو الاتفاق النووي الإيراني»، مستبقاً أي محاولات من جانب كيري لخوض سباق الترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2020 في مواجهة ترمب.

وبالفعل، تدور تكهنات وتسريبات أن كيري (74 عاماً) الذي - خاض سباق الترشح للرئاسة عام 2004 في مواجهة الرئيس جورج بوش وفشل – لا يستبعد فكرة الترشح لخوض سباق الرئاسة في عام 2020. وقال خلال حديثة لشبكة «سي بي إس نيوز»، إن الحديث عن السباق في عام 2020 هو إهدار للوقت، وما يتعين علينا القيام به هو التركيز على عام 2018 ونحتاج كديمقراطيين إلى استعادة ثقة البلاد للتحرك في اتجاه أفضل. وأكد كيري أنه سيظل نشيطاً وسيواصل القتال.

وفي كتابه «كل يوم هو إضافي»، كتب وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري مذكراته الخاصة في 640 صفحة، ويسترجع فترة طفولته وشبابه ودراسته في جامعة ييل، كما يركز في فصول الكتاب على عمله في البحرية الأميركية وتطوعه في الحرب في فيتنام، ومواجهة مخاطر الحرب والموت، وعودته بعد ذلك إلى الولايات المتحدة ليتظاهر ضد الحرب والعنف، ويتحول إلى متظاهر يدعو إلى السلام في العالم، ثم إلى عضو بمجلس الشيوخ في لجنة العلاقات الخارجية ثم وزير للخارجية. ويستند كيري إلى مذكراته التي يسرد فيها تفاصيل كثيرة عن طفولته ويكشف دون قصد كيف كانت حياته متميزة وذهابه إلى مدرسة داخلية خاصة في سويسرا، وذكرياته المسلية كطالب جامعي في تمضية الإجازة في إسبانيا وفي الركض مع الثيران في مدينة بامبلونا.

ويستعرض كيري في الكتاب الحياة اليومية للجنود والبحارة الشباب الذين قد يتعرضون للموت نتيجة لخطأ سياسي. ويقدم روايته عن الوقت الذي أمضاه في الجيش والبطولات التي شهدها خلال تلك الفترة. ويتحدث باختصار عن حملته الرئاسية عام 2004، وبحثه عن نائب ليخوض معه الحملة الانتخابية وقراره بمساندة السيناتور باراك أوباما في حملته للفوز برئاسة الولايات المتحدة.

ويستعرض كيري عمله وزيراً للخارجية في عهد الرئيس أوباما، وكيف كرس حياته للخدمة العامة وعقد الكثير من الاجتماعات والإحاطات، وبصفة خاصة المفاوضات الشاقة حول الصفقة النووية الإيرانية والساعات الأخيرة في تلك المفاوضات التي انتهت بإبرام الاتفاق وتوقيعه مع القوى العالمية الكبرى، ويسرد بعض المحادثات وراء الكواليس حول المفاوضات لإبرام اتفاق باريس بشأن المناخ. ويقدم كيري نفسه محركاً رئيسياً لاتفاق إيران النووي واتفاقية باريس بشأن المناخ وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

ويخصص صفحات عدة للحديث عن السيناتور جون ماكين الذي توفي الأسبوع الماضي عن عمر يناهز 81 عاماً، ويروي كيري رحلة طيران شارك فيها الرجلان معاً خلال عملهما في مجلس الشيوخ وذكرياتهما حول فيتنام والوقوع في الأسر. ويروي كيف عملا في قيادة جهود الحزبين الجمهوري (ماكين) والديمقراطي (كيري) لاستعادة العلاقات مع فيتنام والتعاون في حل المشكلات المعقدة داخل الكونغرس.

ويتشارك كيري وماكين في أنهما خاضا سباق للترشح للرئاسة وفشلا في الفوز بالبيت الأبيض، بينما فاز برئاسة البيت الأبيض أول رئيس في التاريخ الأميركي لم يشغل من قبل منصباً عاماً أو منصباً عسكرياً، ويعتمد على «تويتر» والتغريدات في توصيل أفكاره وتصريحاته وهجومه.

ويحمل الكتاب الكثير من الصور الخاصة بالاجتماعات والرحلات بالطائرة وصور السياسيين والموظفين الذين عملوا معه؛ إذ عمل كيري عضواً بمجلس الشيوخ الأميركي لما يقرب من ثلاثة عقود، وأمضى أربع سنوات في منصب وزير الخارجية خلال الولاية الثانية للرئيس السابق باراك أوباما.