& علي أبو الريش

في عرس العراق الانتخابي، يحضر قاسم سليماني راقصاً طرباً بما يحدث في هذا البلد العربي الذي أبتلي بالإرهاصات، والمقاصات، والمراهنات، والمداولات، والتنازلات عن الثوابت، والمبايعات في سوق أصبحت مفتوحة لكل الاحتمالات، منها ذهاب العراق بعيداً عن عراقيته، ودخوله نفق الظلام الطائفي منقاداً وراء الإغراءات الوهمية التي تقدمها دول إقليمية لا هدف لها غير إفقار العراق اقتصادياً، وثقافياً، وقومياً، وسحبه إلى أجندات تؤرخ للعراق الممزق، والمفرق والمفتق، والذاهب إلى شط الجفاف، والاستخفاف بقيمة هذا البلد العريق، البلد الذي علم العالم أبجدية الحضارة، وبداهة الكلمة.
اليوم يصرخ السياب من قبره يا عراق، ولكن لن يسمع من به صمم، طالما أصبح طبل قاسم سليمان يصم الآذان، ويميت الوجدان، ويحيي صلاة الجنازة على أمر قد كان.


العراقي اليوم في البصرة مدينة النفط والنخيل الوارفة، يصرخ تضوراً، وتنوء العراقية من فقدان العلاج لطفل لها بات يئن من مرض عضال، أنهك ثغره ولم يعد قادراً على بث ابتسامة الأحلام الوردية التي كان العهد الجديد قد قطعها على نفسه، تحت ملاءة ديمقراطية لونها خياله الخصب، وبعد حين من التقاطعات الدموية، ذابت قطعة الثلج التي وضعها «الديمقراطيون» على رأس المريض بحمى الكبت، والتمنيات التي لا تأتي.
العراق الحالم بأغنيات ناظم الغزالي الرومانسية، يشق قميصه اليوم من دبر، ويذهب إلى الحياة بهواجس «داعش» المفزعة، وكوابيس الديمقراطيين المفجعة ويصحو باحثاً عن أناه المستلبة، فيجدها بحجم العصفور «مقصقص» الجناحين بيد من أسدى النصيحة إلى العراقيين كي يخرجوا من بيت العرب، ليذهبوا إلى قم كي يأخذوا الشفاعة، وحرز الوصاية، والدعاية الفاشلة.


العراق اليوم كائن هلامي يحمل ملامح بلد بنى أركان الحضارة الإنسانية، ثم تقاعد ولم يكمل المشروع الإنساني لأسباب مرضية أصابت الذهنية، ومرغت الأصول، والفصول حتى أصبح شتاء العراق من غير شط العرب، وصيفه من دون رطب البصرة، وناخت النوق متعبة من لظى الحرقات الأيديولوجية المضمخة برائحة الجثث الملقاة في شوارع بغداد، الملونة بألوان الوجوه التي جاءت باسم الدولة المزعومة، اليوم العراق يخرج إلى العالم من دون العراق، حاملاً زي العسكرية لقاسم سليماني متأزراً بإزاره، متزملاً بدثاره، وأفكاره الجهنمية.
اليوم نحن نكتب عن العراق، وكأننا نكتب عن دولة في نهاية التاريخ، نسيت جغرافيتها، وتاريخها، وسكنت في أطراف المرحلة، دولة مثل مادة خرافية بلا لون، ولا طعم، ولا رائحة.

&

&