انطلقت سفينة الحاويات العملاقة «فانتا ميرسك»، الأسبوع الماضي، من كوريا الجنوبية في طريقها إلى ألمانيا، في رحلة هي الأولى من نوعها عبر مسار المحيط المتجمد الشمالي، التي من شأنها أن تغير وجه الشحن البحري في العالم.

وطريق المحيط المتجمد الشمالي يمكن سلكه فقط في الفترة من يوليو (تموز) إلى أكتوبر (تشرين الأول)، نتيجة ذوبان الجليد بمعدلات متزايدة في العقود الأخيرة بفعل التغير المناخي، لكنه يوفر الوقت والوقود، مقارنة بالمسارات البحرية المستخدمة حالياً في الشحن البحري بين موانئ آسيا وأوروبا والأميركتين.

وتقول صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، في تقريرها عن طريق المحيط المتجمد والذي وصفته بـ"قناة السويس الروسية"، إن القطب الشمالي كان رقعة الشطرنج بين القوات البحرية الروسية والأميركية إبان الحرب الباردة، والآن سيكون الصراع تجارياً بشكل أكبر.

وتظهر صور الأقمار الصناعية، وفق الصحيفة، انحصار الجليد في المحيط المتجمد الشمالي بنسبة 13.4 في المائة كل عقد، حسبما تفيد وكالة «ناسا»، مما يعزز الآمال بطريق أقصر وأقل تكلفة. ففي حين تستغرق الرحلة بين كوريا الجنوبية وألمانيا في المتوسط 46 يوماً عبر طريق رأس الرجاء الصالح، و34 يوماً عبر قناة السويس، فإنها ستستغرق فقط 23 يوماً عبر المسار القطبي الشمالي.

رسوم روسية

وفي الوقت الذي تدعم فيه شركة «روساتوم» الروسية، التي تدير أكبر أسطول من كاسحات الجليد النووية في العالم، الطريق بحجة أنه لا يتضمن «طوابير ولا قراصنة»، في إشارة إلى حوادث القرصنة التي وقعت في خليج عدن في السنوات الأخيرة، فإن الصحيفة تشير إلى أن معظم الطريق يمر عبر مياه محاذية للمنطقة الاقتصادية الروسية، وبالتالي فإن السفن الراغبة في المرور لا بد أن تتقدم بطلب إلى إدارة الطريق البحري الشمالي التابع للحكومة الروسية.

كما تحصل روسيا رسوماً على الإبحار ودعم كاسحات الجليد المصاحبة للسفن.

ويحذر ميكا هوفيلاينين، وهو مدير مشروع بمؤسسة «آكر» لتكنولوجيا المحيط المتجمد الشمالي، التي تصمم سفناً بأنظمة دفع تلائم الإبحار في المناطق الجليدية، من مخاطر الطريق الجديد، قائلاً: «إن تعرضت لمشكلة، فإنك بعيد جداً عن الحضارة»، واصفاً الظروف في القطب الشمالي بأنها «قاسية»، حتى في فصل الصيف.

وتشير الصحيفة إلى أن مئات السفن الصغيرة تسلك هذا الطريق صيفاً، من يبنها ناقلات نفط وسفن للأبحاث، بل إن شركة الشحن الصينية «كوسكو» في طريقها لإكمال 10 رحلات هذا العام بسفن بضائع.

وبعدما أبحرت أول سفينة شحن روسية تحمل غازاً مسالاً من منشأة إنتاج «يامال» عبر المحيط المتجمد الشمالي إلى الصين في يوليو الماضي، في رحلة استغرقت 19 يوماً، أي بأقل 16 يوماً عن مسار قناة السويس، فإن الاختبار التالي يتمثل في كيفية عبور سفينة مثل «فانتا ميرسك»، التي تم تدعيم هيكلها لتناسب ظروف المسار الجليدي بحمولة 3600 حاوية.

ظروف غير متوقعة

من جانبه، حذر مالت هامبرت، مؤسس معهد المحيط المتجمد الشمالي، من أن ظروف المسار لا تزال غير ممكن توقعها، وقال: «شريان حياة شحن الحاويات هو التوقيت، فأنت تحجز موقعاً في الميناء ساعة بساعة» لضمان وصول الشحنات في الوقت المتفق عليه.

وفي الأسابيع القليلة الماضية، شطحت سفينة ركاب في المحيط المتجمد الشمالي قبالة كندا، وتم إجلاء ركابها. وفي نهاية يونيو (حزيران)، أصاب الجليد خليج «أوب» في روسيا بالشلل أمام سفن الشحن.

ويقول إندري تودوروف، خبير قضايا المحيط المتجمد الشمالي، للصحيفة إنه حتى في حال تواصل ذوبان الجليد في السنوات المقبلة، فإن ذلك لا يعني أن الظروف ستكون أفضل أمام السفن التجارية، ويؤكد: «سيكون هناك خطر أكبر بانفصال قطع جليدية ضخمة واصطدامها» بالسفن، بينما يشير إلى ارتفاع تكلفة تدعيم السفن لتناسب ظروف الجليد.

ومما يثير المخاوف أيضاً من الطريق الجديد إمكانية حدوث تسرب من ناقلات النفط والغاز، كونها تتحرك في ظروف قاسية، حيث تستغرق حوادث التسرب في المياه الباردة عقوداً لتنظيفها والقضاء عليها.

&