& سمير عطا الله

&

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي فُتح الأرشيف الروسي أمام كل من يشاء من المراجعين. وقد كتبتُ يومها أنها فرصة كبرى أمام الدول العربية لترجمة كمية هائلة من الوثائق التي بعث بها الدبلوماسيون الروس، ثم السوفيات عن أحوالنا السياسية والثقافية في تلك المراحل. والآن وقد عاد الروس إلى المنطقة بمثل هذه القوة، لا بد أن ننتبه إلى وجود أشياء مهمة كثيرة غير الدبابات والقاذفات، مما يجمع بيننا وبين الحضارة الروسية منذ ثلاثة قرون على الأقل.


ثمة مراجع فرنسية وإنجليزية وحتى ألمانية، كثيرة جداً عما كتبه أصحاب هذه اللغات عن الإسلام والعرب. لكن التقصير مشترك بيننا وبين الروس، فالقلائل منّا يعرفون الروسية، والقلائل منهم يجيدون العربية. والأبحاث النادرة التي وضعها بعض المفكرين العرب عن الأثر الإسلامي والعربي في الآداب الروسية، قليلة هي أيضاً، ولكنها ممتازة على العموم. وفي هذا الباب يخطر لي دائماً مؤلف الدكتورة مكارم الغمري «مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي»، وهو عرض جذاب لما كُتب في الروسية، نثراً أو شعراً سواء في مديح الرسول، صلى الله عليه وسلّم، أو في شرح الرسالة، أو في السيرة النبوية. وقد اختصر كبير الروس ليو تولستوي النظرة الروسية إلى الإسلام في رسالة له إلى الإمام محمد عبده قال فيها: «يوجد دين واحد: الإيمان الصادق، وأعتقد أنني لا أُخطئ حين أعتقد أن الدين الذي أعتنقه هو نفسه الذي تعتنقونه».


تراوح التعقل بالإسلام والتأثر به بين شاعر وآخر، أو كاتب وآخر. والمقصود هنا كبار الشعراء والكتّاب الروس ممن لهم صيت عظيم في الخارج، أو ممن لا يتمتعون بشهرة كبرى. ويجب الملاحظة أن الروس يمّموا في اتجاههم نحو الشرق، صوب سوريا وفلسطين ولبنان، بينما اتجه الغربيون، بسبب أهدافهم التوسعية آنذاك، نحو الجزيرة العربية والخليج العربي. وحتى في جامعاتهم كانت الدراسات الاستشراقية أقل من الفرنسية والبريطانية والألمانية. أما في المرحلة السوفياتية فقد اختلف الوضع تماماً بالطبع، حيث لم يعد الدافع الديني وارداً، بل حل محله، على العكس، العامل الإلحادي. وهذا أيضاً السبب الذي أغلق الباب أمام الوجود الثقافي الروسي، خصوصاً في منطقة الخليج.


لعلها الآن مرحلة مناسبة لدى الفريقين، المسلمين والروس، من أجل العودة إلى تبادل ثقافي على مستوى الحضارتين.