رامي الخليفة العلي

يقترب يوم الرابع من نوفمبر حيث موعد الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية تجاه نظام الملالي، وكلما اقترب هذا الموعد أصاب النظام حالة من الإرباك تدفعه إلى اتهامات يلقيها ذات اليمين وذات اليسار. كان آخرها تصريح لمندوب النظام في منظمة الأوبك بأن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تخونان النظام عندما يزيدان من الإنتاج في حال توقف النفط الإيراني! هذا التصريح لا يخالف قواعد السياسة وحسب بل إنه يتجاوز قواعد العقل والمنطق. وبالعودة إلى منظمة الأوبك وهي منظمة الدول المصدرة للنفط، وهذه المنظمة لديها مهمة محددة وهي الحفاظ على التوازن بين العرض والطلب بحيث يصب ذلك في أسعار متوازنة من جهة والحفاظ على استقرار السوق والحفاظ على النمو العالمي من جهة أخرى. إذا المنظمة ليست تحالفا سياسيا أو عسكريا وإنما لها مهمة محددة. على هذا الأساس فإن الاتهامات التي يكيلها نظام الملالي سخيفة وإنما تشير إلى حالة الهلع التي ترتفع لدى النظام بسبب السياسة الأمريكية من جهة وانخفاض رصيده لدى المجتمع الدولي الذي بات يقترب أكثر من الموقف الأمريكي. بالفعل كان يمكن للدول العربية أن تكون عونا لإيران، لو أن إيران منذ ثورة الخميني قدمت لغدٍ، على العكس من ذلك كانت حريصة طوال الأربعة عقود الماضية على نشر الفوضى في دول الجوار والعربية على وجه التحديد. كيف يمكن للدول العربية أن تساند نظاما يستهدف أمنها، كيف يمكن أن تساند من ينشر الإرهاب والتطرف أينما وطأت أقدامه، كيف يمكن أن تقف مع نظام يتبجح بأنه يسيطر على أربع عواصم عربية، كيف تساند من يوجه صواريخه الباليستية إلى الشعوب العربية، كيف يمكن أن تساند نظاما قاد هجمة بربرية على الشعب السوري، وجلب كل مرتزقته وشذاذ الآفاق لكي يعيثوا قتلا وتقتيلا بهذا الشعب المظلوم. ولطالما مد العرب أيديهم لهذا النظام ولكن في كل مرة تأتيهم ضربة الغدر من الخلف بأيادي هذا النظام. كم من مرة كشفت الأجهزة الأمنية في الدول العربية والخليجية على وجه التحديد عن عملاء وجواسيس وإرهابيين يتبعون للحرس الثوري، إذا على إيران أن لا تلومن أحدا سوى نفسها وسياساتها على امتداد سنوات طويلة.

حالة الارتباك لم تقتصر على دول الجوار الإيراني بل امتدت لتشمل الدول الأوروبية، فأطلق جواد ظريف تهديداته الجوفاء بأن إيران سوف تستأنف برنامجها النووي في حالة لم تستطع أوروبا تعويض إيران عن العقوبات الأمريكية، وإذا لم تعمد الدول الأوروبية إلى معاقبة الشركات التي سحبت استثماراتها في إيران. ظريف يعاني من سوء فهم للموقف الأوروبي سببه حالة الارتباك المشار إليها. أوروبا عارضت انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي ولكن ذلك يعود إلى مبدأ أوروبي يرى أن التوجهات الدولية لا يجب أن تنفرد بها الإدارة الأمريكية. وبالتالي فإن المحافظة على الاتفاق ليس لتحالف بين أوروبا وإيران كما يتوهم حكام طهران. لذلك فإن أوروبا لن تعاقب شركاتها ولن تعوض إيران بشكل حقيقي عما سيلحق بها من أضرار اقتصادية، وإذا ما انسحبت إيران من الاتفاق النووي فإن أوروبا سوف تجدها فرصة للعودة للأحضان الأمريكية. التهديدات الإيرانية لأوروبا ليست سوى جعجعة ولن نرى من بعدها أي طحين.

أما في سوريا فإن طهران بالرغم من أنها استضافت اجتماع الدول الضامنة التي تضم بالإضافة لها كلا من روسيا وتركيا، فإن الابتسامات أمام الكاميرات لم تخف فجوة الخلافات بين الأطراف الثلاثة حول عملية إدلب، إيران تريد سيطرة عسكرية تشارك فيها الميليشيات التابعة لها، ولكن المجتمع الدولي وفي مقدمته الدول الغربية يرفض بشكل مطلق أن تشترك تلك الميليشيات، ويدعو إلى انسحاب إيران وميليشياتها من سوريا، وبالتالي وجدت روسيا وتركيا أن إيران تعقد المشهد السياسي والعسكري، لذلك بدا أن هناك تنسيقا روسيا ـ تركيا منفصلا عن إيران، وهذا ما ظهر جليا في زيارة أردوغان إلى سوتشي ولقائه للمرة الثانية خلال عشرة أيام الرئيس بوتين. والمعلومات تشير إلى تنسيق عسكري يقتصر على تركيا وروسيا لضمان منطقة آمنة والقضاء على التنظيمات الإرهابية. صحيح أن الاتفاق التركي ـ الروسي ليس واضحا ولكن المؤكد أنه يستبعد إيران، بالرغم من أن هذه الأخيرة استماتت ولا تزال من أجل إشعال الموقف عسكريا، وأرسلت ميليشياتها إلى حدود محافظة إدلب، كما أن قوات النظام حيث يوجد الحرس الثوري يعمد إلى قصف منظم لمناطق تابعة للمعارضة في المحافظة. ومع ذلك فإن هذه المحاولات باءت بالفشل.

تدرك إيران أنها مقبلة على مرحلة جديدة وأن الأوضاع التي حظيت بها منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، وتجاهل المجتمع الدولي لآهات الشعوب التي اكتوت بنيران نظام الملالي، تدرك أن هذه الأوضاع بدأت تتغير. وبات العالم يدرك الخطر الذي تمثله السياسة الإيرانية في المنطقة، وهذا ما يصيب النظام بالارتباك.