&فيصل العساف&

سطوة التآخي السعودي - الإماراتي جعلت البعض يكشّر عن لسانه، فلا أنياب! أما لماذا؟ فلأن هذين التلاحم والتعاضد كانا السبب الرئيس في دفع الشرور التي أريدَ لها يوماً أن تحل على الشعبين وعلى عموم المنطقة، وذلك أبلغ ما أغاظ المتربّصين. في الحقيقة، لم أشأ أن تتحدث مقالتي لهذا الأسبوع عن أي شيء سوى يوم السعودية الوطني، فرحلة الوحدة والنماء الممتدة على مدار الـ88 عاماً لها حق على السعوديين جميعاً، لولا أن قطر، وعلى خطى ذاك الذي بال في بئر زمزم طلباً للشهرة، أبت إلا أن تحيي ذكرها بالكذب والتدليس.


مع احتدام «الاستثوار» العربي، كان السعوديون والإماراتيون يصطفّون خلف الرأي الشرعي القائل بعدم جواز الخروج على الحكام، وما ذلك إلا خشية من هذه الحال المتردية التي آلت إليها بلدان الربيع «القارص». في المقابل، القطريون و»الإخوان المسلمون» يمتطي كلٌّ منهم الآخر، وقد كانوا ينظرون إلى الفوضى باعتبارها فرصتهم المواتية لقطف ثمار سنوات التأزيم، بعيداً من تداعياتها القاسية على البلاد والعباد. وانطلاقاً من ذلك، جاءت حملاتهم المضادة لمشروع التعقّل، حتى أن حديث «تسمع وتطيع للأمير، وإن جلد ظهرك وأخذ مالك»، أصبح عندهم مثاراً للتندّر!

حين يفتقر الخصم إليها، فإن معاملته بمروءة وفروسية تكون ضرباً من ضروب الترف السياسي، ويصبح الردع بأية طريقة كانت صوناً للحقوق، ولنا في تنظيم الحمدين خير شاهد على نجاعة الحزم في قطع الطريق على اللئام. المقاطعة جعلت القطريين يركضون خلف الكويت، بعد أن كانت نيرانهم التي تهدف إلى تقويض أمنها لا تنفك عن النيل منها ومن رموزها ليل نهار. قبل هذا، كان «الإخوان المسلمون» يرتعون في الخليج، ملاذهم الآمن من فتك الحكومات العربية التي خبرت معدنهم جيداً، فما كان منهم حين اشتدت سواعدهم بالوصول إلى حكم مصر على أنقاض ثورة 25 كانون الثاني (يناير)، إلا أن أطلقوا عنان أمانيهم وأحقادهم على الخليج. يقول رجلهم الثاني في التنظيم عصام العريان، مخاطبا الإمارات: «إيران النووية قادمة، وهتصبحوا عبيد عند الفرس»! ذرية خبث وتلوّن بعضها من بعض، وما تهمة «الذباب الإلكتروني» التي يروج لها إعلام قطر في حق الشعبين السعودي والإماراتي هذه الأيام، إلا نسخة مطورة لفرية الجاميّة التي ظل دعاة الاستقرار يوصمون بها من جانب جماعات الإسلام السياسي «الوصولي»، نسبة إلى شيخ جليل شجاع، ما نقموا عليه - رحمه الله - إلا لأنه وقف في وجه مشروع تخوين الحكومة السعودية، يوم كان التصدي لبهتان «الإخوان» الجارف أشبه بخوض معركة خاسرة!

الأمثلة عديدة على حجم التمادي القطري الذي قابلته أيادي الصفح السعودية، فلا أحد يقول إن تميم بن حمد قد تم ضربه على يده بين العامين 2013 و2014 كي يمضي في توقيعه على اتفاق الرياض، الذي أقر بموجبه بتدخل بلاده السافر في شؤون دول الخليج الداخلية، بقصد التحريض، وتعهد بناء عليه بالتوبة، لتعود العلاقات الديبلوماسية يومها، على رغم الثقة في عدم جدية القطريين، وأن من شابه أباه فما ظَلَم.

يمكن مراعاة حجم الألم القطري في الواقع، إذ إن مشاهدة سلاحهم النوعي وهو يتهاوى أمام ضربات المخلصين في السعودية والإمارات، ليس بالأمر الهيّن، فـ»الجزيرة» وملحقاتها الإعلامية كانت في وقت سابق أقرب ما تكون إلى خطيب الجمعة، من جهة أنها «ترسل ولا تستقبل»، لكن الحال تبدلت في ظل وسائل التواصل، ويمكن الإشارة إلى محاولتهم الترويج لإشاعة القبض على أحد أئمة الحرم المكي، في الوقت الذي كان مشغولاً بإمامة المصلين، وكيف أشبعها المغردون السعوديون تهكماً بعد تفنيدها.

أخيراً، الذباب لا يقع إلا على القاذورات - أجلّكم الله - ويبدو أن «الأشقاء» أيضاً على يقين بقذارة ما يقومون به، ولأجل ذلك ينعتون مخالفيهم بالذباب.

&