أحمد يوسف أحمد 

كتبت على هذه الصفحة في الثاني عشر من ديسمبر الماضي بعنوان «تحدي القدس» مقالة جاء فيها «ليس ثمة مخرج من الوضع الراهن سوى أن يغير الفلسطينيون والعرب ما بأنفسهم حتى يغير الله حالهم، وعلى هذا الأساس لم يعد مقبولاً تحت أي ذريعة ألا تكتمل المصالحة الفلسطينية مهما كانت العقبات تمهيداً لوضع استراتيجية وطنية موحدة لاسترداد الحقوق الفلسطينية تستخدم كل وسائل النضال المتاحة»، وبالنسبة لضرورة التغيير من أجل مواجهة الوضع الخطير الذي نجم عن القرار الأميركي نلاحظ أولاً أن الشعب الفلسطيني قد انتفض ضد سلطات الاحتلال منذ صدور القرار، وحتى الآن بغض النظر عن الملاحظات التي تقلل من شأن حدة انتفاضته وشمولها، فمن السهل على من يراقب دون أن يفعل أن يوجه الانتقادات، ونلاحظ ثانياً أن السلطة الفلسطينية بدورها قد تبنت الموقف السليم من القرار الأميركي فأعلنت انتهاء الدور الأميركي في عملية التسوية، وهو أمر منطقي بحكم ما أثبته القرار من انحياز صارخ لإسرائيل أسقط ورقة التوت عن المسار التفاوضي الذي ظلت السلطة تسير خلف سرابه قرابة ربع قرن، غير أن هذا الموقف من قِبَل السلطة رغم سلامته لا يحل شيئاً، فهو يُسقط المساعي الأميركية العاجزة بحكم الانحياز لإسرائيل لكنه لا يجد لها بديلاً، فكل الأطر الأخرى التي يمكن أن ترعى عملية التسوية بعد الولايات الأميركية كالاتحاد الأوروبي على سبيل المثال ليس بمقدورها أن تضغط على إسرائيل بما يؤكد أن الفعل الفلسطيني وحده هو القادر على تحريك ميزان القوى المختل بشدة لصالح إسرائيل في اتجاه أكثر مواتاة لمطالب الفلسطينيين العادلة، ومن هنا مجدداً أهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية كمتطلب رئيسي لإحداث أي تغيير في ميزان القوى.

ومن المعروف أن محاولة جادة كانت قد جرت لإنهاء الانقسام بي «فتح» و«حماس» غير أن تنفيذها لم يكتمل لأسباب لا مجال في هذا السياق لتكرارها، غير أنه كان من المأمول أن يمثل القرار الأميركي عاملاً مساعداً في القضاء على هذه الأسباب، وقد كتبت هذه المقالة قبل أن تنتهي اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني التي بدأت في الرابع عشر من الشهر الجاري، وذلك بهدف معرفة كيف ستكون هذه الاجتماعات انعكاساً للحاجة إلى عمل نوعى يعكس الإلحاح على تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وترسيخها، لكن البداية للأسف جاءت مخيبة للآمال، إذ أعلنت كل من «حماس» و«الجهاد» مقاطعتهما للاجتماعات أصلاً، وكانت الحجة المعلنة أن الاجتماع لن يخرج بقرارات «ترقى إلى مستوى طموحات الفلسطينيين في ظل الظروف الحالية»، وقال عضو في المكتب السياسي لـ«حماس» في بيان «أن الظروف التي سيُعقد المجلس المركزي في ظلها لن تمكنه من القيام بمراجعة شاملة ومسؤولة، وستحول دون اتخاذ قرارات ترقى لمستوى طموحات شعبنا واستحقاقات المرحلة»، كذلك أكد عضو في المكتب السياسي لـ«الجهاد» المعنى نفسه بقوله إن القرارات التي سيخرج بها الاجتماع لن تتجاوز السقف السياسي للسلطة (الفلسطينية) التي ما زالت ترى في المفاوضات و«اتفاق أوسلو» مسألة قائمة وفي الممارسات الجارية على الأرض كالتنسيق الأمني طريقاً، ويعني هذا الموقف من الفصيلين أن اجتماع «المجلس المركزي» حتى لو توصل إلى نتائج مهمة لن تكون معبرة عن كامل الجسد السياسي الفلسطيني، وبالتالي يصعب تصور أن تُحدث التأثير المطلوب.

والحقيقة أن الدهشة أصابتني، فـ«حماس» و«الجهاد» قد حسمتا سلفاً أن نتائج اجتماعات المجلس لن ترقى إلى المستوى الواجب، مع أن المستجدات الخطيرة التي طرأت على القضية الفلسطينية بعد قرار ترامب تعطي فسحة للأمل في أن يكون رد الفعل مختلفاً هذه المرة أسوة بحسم مسألة إنهاء الدور الأميركي في عملية السلام بعد مماطلات اقترب عمرها من ربع قرن، والأهم من ذلك ألا تحتم المسؤولية الوطنية على «حماس» و«الجهاد» أن تعملا على المشاركة وإحداث التغيير المطلوب بدلاً من الاكتفاء بالتنبؤ بعقم الاجتماعات؟ وفى الواقع أن المرء لا يمكن أن يقنع في الظروف الراهنة بنهج المقاطعة الذي يكتفي بتسجيل المواقف، وإنما لا بد لكل طرف من العمل على أن يُقنع الآخرين بصحة وجهة نظره، فإن لم يتمكن يكون قد عرضها على الأقل وأبرأ ذمته أمام شعبه، أم أن المقاطعة تعكس غياب البدائل؟