ربما كان أهم حدثٍ في الصين المعاصرة، منذ وفاة ماو تسي تونغ، أن يُعلن المليونير «جاك ما» قراره التقاعد في العام المقبل من شركة «علي بابا». فإذا كان ماو يمثل في التاريخ الصيني صورة الاشتراكي الأول، فإن جاك ما يمثل صورة أهم رأسمالي عرفته الصين، وربما لن تعرف مثله على الإطلاق. أسس «ما» شركته في شقةٍ صغيرة من مدينة «هانغ جو» عام 1999، محاولاً أن يقلِّد شركة «أمازون»، ولم يخطر في بال مدرّس اللغة الإنجليزية، أو في بال أحد، أن يصبح ذات يوم منافساً لها.

معه، ومع أمثاله، تغيّر وجه الصين تماماً منذ ذلك الوقت، فقد كان معدّل دخل الفرد 3 آلاف دولار في السنة، وتضاعف الآن 6 مرات، وكان واحد في المائة من الصينيين فقط يستخدم الإنترنت، أما المعدل اليوم فهو 36 في المائة. وقد أدرك «جاك ما» مسبقاً هذا التطور، فراح يستغله إلى أقصى الحدود. وبلغت مبيعاته العام الماضي في يوم واحد 25 مليار دولار. وتوزّع الشركة الآن نحو 55 مليون رُزمة في اليوم، أي حوالي نصف المبيعات في الصين. وبدل أن يمحوا جاك ما المتاجر الصغيرة في البلاد، ضمها إليه، وساعدها على الازدهار، وأحدث بسبب فروع الشركة تقدماً وتطوراً في جميع مدن الصين، وبذل كثيراً من الوقت في مساعدة وتوجيه الناشئين من رجال الأعمال في جميع الحقول.

بعد عام، سوف ينصرف جاك ما كلياً إلى العمل الخيري، محققاً بذلك حلماً أسطورياً، مثل الرجل الذي حمل اسمه. هكذا كان يفعل علي بابا الذي اكتشف سرّ مغارة أربعين لصاً كانوا يخبئون فيها كنوز مسروقاتهم، فراح هو يوزّعها على الفقراء. لم تكن قصة علي بابا والأربعين حرامياً واردة في النسخة الأصلية من «ألف ليلة وليلة»، بل ضمّها إلى المجموعة في القرن الثامن عشر المستشرق الفرنسي أنطوان غالان، الذي سمعها بدوره من مرافقه الحلبي الحكواتي حنا دياب. وأوحت القصة لكثيرين من الأدباء حول العالم الذين أعادوا صياغتها، ربما كان أشهرهم وأهمهم الكونت تولستوي.