& حسن حنفي

يصعب استيعاب الدراسات الاستشراقية الحديثة كلها، منذ القرن السابع عشر حتى العشرين، أي على مدى أربعة قرون، حول التراث الإسلامي ثم الواقع الحالي للشعوب الإسلامية. كما يصعب استيعاب الدراسات العربية حول الاستشراق، والتي بدأت منذ نشأة الجامعات المصرية ثم العربية، ومراكز الدراسات والبحوث الإسلامية في القرن العشرين، خاصة في النصف الثاني منه. بيد أنه يمكن اختيار نماذج عدة، تمثل اتجاهات للدراسات العربية في نقد الاستشراق، أقدمها الترجمة العربية لدائرة المعارف الإسلامية التي بدأ صدورها في منتصف القرن العشرين. فالتعليقات عليها من المترجمين لتصحيح أخطائها واستكمال نقصها، تمثل جزءاً من الدراسات العربية للاستشراق. كما أن ترجمات الأساتذة العرب لكثير من دراسات المستشرقين والتعليق عليها بما يزيد على نصف النص الأصلي، تعد هي كذلك جزءاً من الدراسات العربية للاستشراق. وقد ظهرت رسائل جامعية عدة في نقد الاستشراق في عموم الجامعات العربية، خاصة في كليات دار العلوم بالقاهرة، للدفاع عن الإسلام ضد هجوم المستشرقين.


وقد استطاع الاستشراق أن يقدم أمهات المراجع للحضارة الإسلامية؛ مثل «دائرة المعارف الإسلامية» (أنجزها عدد من كبار المستشرقين)، و«تاريخ الأدب العربي» (بروكلمان)، و«تاريخ الدولة العربية» (فلهوزن).. وغيرها من أمهات المراجع، خاصة قبل نشأة الجامعات العربية، وقبل ظهور الجيل الأول من الباحثين العرب المعاصرين وتلاميذهم الذين شغلوا الآن الساحة العلمية.&


وتظهر الدراسات الاستشراقية بوضوح مدى فائدة المنهج التاريخي، لاسيما على أيدي الباحثين من المعتدلين، كما يتضح من «الشرق والغرب زمن الحروب الصليبية» لكلود كاهين، وكذلك «المجتمع الإسلامي والغرب» لهاملتون جب، فضلاً عن أعمال هارولد بوون في التاريخ الحديث حول موضوعات مختلفة: الإمبراطورية العثمانية وعوامل بنائها، الشريعة والخلافة والسلطنة، الهيئة الحاكمة والإدارة، ثم الحياة والطبقات الاجتماعية في الولايات العربية، والزراعة والتجارة والفلاحين والمدن.
لقد تعددت الدراسات الاستشراقية حول الدين الإسلامي، بما في ذلك حول الكتاب والسنة والوحي والنبوة، وطبّقت المنهج التاريخي لدراسة نشأة الإسلام، وما يجمعه من تشابه مع ديانات أخرى كاليهودية والمسيحية والحنفية والصابئة والمجوسية والمنوية.&
الموضوع الأول بالنسبة للمستشرقين كان القرآن الكريم والترجمات المختلفة لمعانيه والدراسات عليه والتقديم له من حيث ترتيب الآيات وانتقاء الروايات، والإعجاز العددي، وهل كان الرسول أمياً.. إلخ.&
أما الموضوع الثاني بالنسبة لهم فهو الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته والبحث في دلائل نبوته.


وفي الفقه، تمت التعقيبات على الترجمة إضافة إلى النص أسفل الصفحات. والمترجم على وعي بذلك. يدرك الخلاف بين منهج أستاذ المنهج التاريخي المستشرق «شاخت» والمنهج المقارن لتلامذته، ورؤية النقد الإسلامي من منظور التشريع الغربي. وفي الفلسفة يظهر «مفهوم الحرية في الإسلام» قبل القرن التاسع عشر محملاً بالأيديولوجيا من مؤلف ليبرالي غربي يدرس الرق والحبس والسخرة في الإسلام.. بالإضافة إلى المعاني الخلفية للسياسة بالرغم من سيادة المنهج التاريخي. ويعتمد على وثائق تاريخية غزيرة خارج الزمان والمكان، لأنها تبحث عن مفهوم الحرية. وهو إسقاط من المفهوم اليوناني حول الحرية الليبرالية في ثقافة لم تعرفها بالرغم من غزارة المادة والتوثيق واعتماداً على كبار المستشرقين السابقين.&
وقد يأخذ الخطاب العربي المعاصر الخطاب الاستشراقي ككل موضوعاً للنقد، سواء في بنيته أو رؤيته أو مناهجه أو في تطبيقاته في مختلف العلوم الإسلامية. يبدأ بوصف أصل الاستشراق ونشأته، مفهومه ومراحله، ومجالات اهتمامه: الديني منها والعسكري والسياسي، وأنواع المستشرقين (علماء ورحالة وقناصل)، والعلاقة بين الاستشراق والتبشير، وأثر الحملة الفرنسية على الاستشراق.&
وتتنوع أهداف الاستشراق من بلد أوروبي إلى آخر، بين فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا وهولندا وروسيا.. برغم ما بينها من سمات مشتركة ومناهج مطردة على اختلاف تطبيقاتها عند جولد زيهر وسنوك هرجرونيه، وكارل هنريش بيكر وماكدونالد وماسنيون. ثم تتبع الدراسات الاستشراقية في العلوم الإسلامية علماً علماً: القرآن والحديث والفقه.

&