&صفوق الشمري& & & &

الدروس من أزمة جمال خاشقجي «رحمه الله». هل الشيلات تكفي للرد على الواشنطن بوست؟

الدروس من أزمة جمال خاشقجي «رحمه الله». هل الشيلات تكفي للرد على الواشنطن بوست؟
«الأخلاقيات مهمة، رغم أنها غير موجودة في الولايات المتحدة، وربما ليس أي مكان آخر في العالم» وليم كونستلير&
«في عالم اليوم، ليس المهم الصح أو الخطأ، لكن الأهم طريقة تغليفه وتقديمه للناس، فكلما كان التغليف أجمل كان القبول أفضل».


كتبت غالب هذا المقال قبل ظهور الحقائق بخصوص قضية الأستاذ جمال خاشقجي «رحمه الله»، لكن أضفت هذا السطر مؤخرا لأن الفكرة واحدة.&
نعم، الآن نعرف من القاتل، ولنا عودة لمعالجة هذا الخطأ الفادح الذي حصل لأبي صلاح وما الدروس منه أيضا، لكن الهدف الأساسي من الحملة هي السعودية الجديدة، وليس العدالة لأبي صلاح «غفر الله له».
كما تحدثنا في مقال الأسبوع الماضي عن أن أكبر حملة إعلامية دولية منسقة وموسعة طالت المملكة خلال أكثر من عقد وهي الحملة الحالية، أو بما يعرف بحملة اختفاء الصحفي جمال خاشقجي، وتكلمنا أيضا عن بعض تفاصيل الحملة، لكن كي نستنبط الدروس من الحملة يجب أن نحلل خصائص الحملة.


من خلال بحث للأخبار باللغة الإنجليزية على الشبكة العنكبوتية، خلال أسبوعين، من الحملة بلغ عدد النتائج خمسة ملايين وثلاثمئة وتسعين ألفا، مما يعطي تصورا عن الحجم الهائل والواسع للحملة.&
في علم الحملات الدعائية، هناك أساسيات، منها علي سبيل المثال: أهداف الحملة، الجمهور المستهدف، أساليب وإستراتيجيات الحملة وتكتيكاتها، المنافسون والحملة المضادة، المصادر والتمويل، وضع الأدوار، تقييم الحملة واستمراريتها.
أهداف الحملة هي استهداف صورة السعودية الجديدة، بكل مكوناتها. خلال السنوات الماضية، ظهرت السعودية للعالم بصورة جديدة مختلفة، وبدأت تأخذ أدوارا عالمية وتنفتح على العالم من خلال الرؤية، التي جزء كبير منها يصيغ الشراكات العالمية، وهناك تقدم للمملكة في جميع المجالات بثوب عصري جديد، وستلعب السعودية الجديدة دورا محوريا في الاقتصاد والاستثمار العالمي، يتعدى دورها الحالي كمنتج تقليدي للطاقة.&
فالعالمية تحتاج إلى ثقافة اتصال ومشاركة بالقيم، فهدف الحملة وضع صورة سوداوية دموية عن المملكة، لمحاولة تدمير التواصل والاستثمار العالمي.
الجمهور المستهدف: هو الرأي العالمي، والجمهور الدولي، وليس الجمهور السعودي.&
إن منسقي الحملة يئسوا من الجمهور السعودي وجمهور الداخل، فتاريخيا فشلت الحملات السابقة التي كانت تستهدف المواطنين السعوديين فشلا ذريعا، ماذا تتوقع من شعبٍ الجندي فيه يصاب أكثر من مرة في الجبهة، ويصر على العودة للدفاع عن وطنه حتى يستشهد، وهذه عادة السعوديين، بينما في بقية دول العالم الجندي يبحث عن التسريح بعد الإصابة، حتى على المستوى الوطني كانت منصات التواصل الاجتماعي أكبر شاهد على اللحمة الوطنية من خلال الأعداد المليونية من المواطنين، لذلك يبدو أن مخططي الحملة تعلموا الدرس، فلم يركزوا على الداخل بل ركزوا على الخارج والجمهور العالمي لعدة أسباب: منها أن الرؤية في جزء كبير منها تضع التعاون الدولي المستقبلي كأهمية، من خلال جلب العقول والاستثمارات، وأيضا الشركات العالمية، وثانيا أن محاولات زعزعة الشراكات العالمية التي أنشئت، فرؤساء الشركات والبنوك والسياسيون حول العالم يقرؤون الإعلام العالمي ويتأثرون به، ولا يقرؤون الإعلام المحلي، وثالثا يبدو أن منسقي الحملة ومخططيها انتبهوا إلى الضعف والقصور في الإعلام الخارجي لدينا، فحاولوا استغلال الفرصة.


تكتيكات وإستراتيجيات الحملة: البث الهائل للأخبار بشكل واسع ومتعدد، والاعتماد على الكم وليس الكيف، إضافة إلى الإمداد المستمر للآلة الإعلامية العالمية بكمية الأخبار المتنوعة والتسريبات، حتى يخف التركيز على التدقيق والكيف، أيضا استغلال تأثير ما يسمى الطوفان الإعلامي على نفسية المتلقي، فمعروف أن الإنسان كان اجتماعيا يتأثر بالمد الإعلامي المركز واسع الانتشار، لذلك نجد قنوات عالمية كثيرة، رغم خبرتها وقعت في الفخ، مثل خبر رويترز وخبر ساعة أبل.
الحملة المضادة: للأسف لا توجد حملة مضادة منسقة محترفة، بل محاولات فردية من هنا وهناك، ومحاولات لإقناع الإعلام الغربي بالتعقل والصبر والتأني، وعدم القفز على النتائج دون أدلة.
المصادر والتمويل: عمل تنظيم الإخوان المسلمين على دعم وتنسيق الحملة، فالدعم المادي أتى من عاصمة إخوان الخليج، أما الدعم الإعلامي من خلال التسريبات والفبركة، والمصادر المجهولة، فكان لإخوان تركيا النصيب الأكبر، أيضا هناك دعم إعلامي من خلال المبالغات والتفخيم من اليسار الغربي، وأيضا هناك بعض النشاط للوبيات الإيرانية في الغرب.&
للأسف، حتى بعض السياسيين استغل الحملة من باب ابتزاز، أو ربما الحصول على صفقات، أو حتى بعضهم ركب الموجة لأسباب انتخابية.
سأنتقل الآن إلى كيفية مكافحة الحملة أو الحملة المضادة. للأسف كانت إدارة الأزمة الإعلامية أقل من المأمول بمراحل،
لم نر نشاطا منسقا محترفا لإدارة الأزمة أو إنشاء حملة مضادة، تكلمنا كثيرا سابقا عن الضعف في الإعلام الخارجي، لكن لم نتصور أن يكون لهذه الدرجة، طبعا لا داعي للقول إنه -كالعادة- كثير من سفاراتنا وملحقياتنا في الخارج لم تقم بالدور المطلوب منها، أو حتى جزء منه.&
للأسف، كثير من الأجهزة لم تركز ولم تضع الخطط لإدارة هذا النوع من الأزمات، البعض ركز على الجبهة الداخلية، رغم أنها صلبة ولم تكن مستهدفه كثيرا في هذه الحملة، من باب هذا ما يعرفه! كما قلنا سابقا لماذا تستهلك وقتك وجهدك في معركة أنت كسبتها منذ سنوات، فلو سألنا المواطنين فردا فردا لكانت إجابتهم ثابتة عن عدم تصديق الحملة، لكن البعض ركّز على هاشتاقات وشيلات عن الوطن، وهذا شيء طيب، لكن الأمور أولويات، فرجال المال والأعمال، والمؤثرون حول العالم، والسياسيون، سيقرؤون ما تكتبه وتنشره الصحافة العالمية ولن يفهموا الشيلات.&


لو كنا قبل الرؤية لقلت لكم إنه لن يهمنا العالم كثيرا، لكن الواقع وطبيعة الرؤية وفي أننا جزء متداخل ويريد أن يكون فعالا ومتواصلا مع العالم، لذلك عدم الانجرار إلى مقولات الانعزال، لأننا نرى البعض يقول نقاطع الإعلام العالمي كله!، فهذا شيء مستبعد وغير واقعي. المملكة لم تكن منعزلة عن العالم سابقا حتى تصبح الآن كذلك، للأسف إنه حتى بعض الإخوان الذين يعرفون اللغات الأخرى، ويعرفون أساليب التواصل مع الآخر والإعلام العالمي، ركزوا على الداخل ووسائل التواصل بالعربي، لا أعرف من باب زيادة المتابعين والمديح أو كي يثبت موقفه للحكومة! فالوطن يحتاج مهاراتك في هذا الموقف للتواصل مع الإعلام العالمي. ربما أفضل ما كتب تقريبا في الإعلام الداخلي هو ما أورده الزميل عبدالله بخيت، وربما هو فهم الصورة لأنه عايش في الغرب ويشعر بما يحدث «لا نملك في ضجيج هذه الحملة الشرسة سوى الحق، لكن لو كان الحق وحده ينفع لنفع الفلسطينيين».
وهناك غلطة كبرى لدى البعض، يعتقد أن النظام الدولي مثل القانون المدني، يعتمد على العدالة والأدلة والتساوي، بل هو كما وصفه أستاذنا وعبقري العلاقات الدولية «كينيث ولتز» بأن النظام العالمي يعتمد على الفوضى والمصالح.&
والحقيقة الماثلة من هذه الأزمة، أن المحامي الجيد أهم من نوع القضية في كثير من الأحيان.

&