&محمد الساعد

بداية القرن الميلادي الفائت تكالب الأوروبيون على منطقة الشرق الأوسط بحثاً عن ثرواتها التي اقتسموها فيما بينهم تحت مسميات مختلفة «الاستعمار – الانتداب – الإدارة»، ثم بعد أن أجدبت وانحصرت في منطقة الخليج العربي خرج الأوروبيون من المعادلة.

اليوم يبدو أن الأوروبيين تذكروا المنطقة مرة أخرى ولكن من الباب الإيراني الذي وجدوا فيه ضالتهم، أرض بكر وشعب ضخم شغوف بالحياة ينتظر لحظة الانفراج.

ولذلك إذا أردنا أن نفهم ما حدث خلال الأشهر وربما الأسابيع القليلة الماضية وما سيحدث مستقبلا في المنطقة من صراع على النفوذ والمال والفكر، فعلينا أن نستوعب حجم الخلاف «الأوروبي الأمريكي» والشرخ العميق الذي وصل إلى مرحلة كسر العظم ويدفع العالم ثمنه وبالأخص حلفاء أمريكا وعلى رأسهم المملكة، صراع استخدم فيه كل شيء وبلا أخلاقيات، من إعلام منحاز مرورا بالاقتصاد وليس انتهاء بقضايا حقوقية.

السعودية أصبحت القاسم المستهدف بسبب علاقاتها الإستراتيجية مع أمريكا وتحول الرياض إلى عاصمة الشرق الأوسط وقبلة النهضة القادمة، التي لا شك أنه عند حدوثها ستتراجع عواصم عديدة وتنتقل الرياض من مزود للطاقة إلى مصنعة للحياة، ويبدو أن هناك أشخاصا في زوايا الإقليم من جيراننا، والعالم الغربي لا يريدون للرياض أن تنهض وتتجاوز فكرة «بياع» النفط.

الحرب أخذت أبعادا مختلفة وهي تشتعل بسرعة هائلة في ثياب الشرق الأوسط لظروف وقدر هذا الجزء الحساس من العالم الذي تحول ليكون ساحة للخلافات وتصفية الحسابات.

ولا أدل من ذلك قضية «جمال خاشقجي» التي صعدها الإعلام الأوروبي والليبرالي الأمريكي إلى مستويات غير مسبوقة، وعلى الرغم من كونها قضية إنسانية إلا أن تسييسها وتحويلها إلى صاعق لتفجير السعودية هو ما يجب الوقوف أمامه وشرح أبعاده.

الخلاف الأوروبي الأمريكي ينطلق من قضيتين رئيسيتين متشابكتين ومعقدتين، فالعالم الغربي بالأساس منقسم فعليا بين ليبرالية متطرفة ووطنية متصاعدة ترى أنها فرطت في روحها الوطنية والمسيحية لحساب الليبراليين وقيمهم.

التيار اليبرالي المتطرف الصاعد بشدة غربيا ونراه في حكومات يرأسها مثليون وسياسيون مغمورون مندفعون، يدعي الحريات وقبول الآخر إلا أنه لا يريد أن يرى في العالم غير معتنقي الليبرالية، وهو يكره ويحارب ما يسمى الممالك القديمة ومنها «السعودية»؛ لأنها ترفض تطبيق تلك القيم المنحرفة على شعوبها.

مع ما يواجهه العالم من أزمة اقتصادية خانقة ونقص في السيولة في الأسواق تضرب الاقتصادات الغربية بعنف، بنى الأوروبيون وبالأخص ألمانيا وفرنسا إستراتيجيتهم الاقتصادية للعقود القادمة على أن تكون إيران هي مصدر الطاقة –الغاز تحديدا– بديلا للروس، وساحة خلفية لبضائعهم وشركاتهم ومصانعهم.

ذلك لم يستهوِ ترمب الذي يرى أن إيران هي مصدر الشر في العالم وأن الثمن الذي قدمه ليبراليو أمريكا وأوروبا لا يستحقه النظام الإرهابي في طهران، ومع دخول يوم الرابع من نوفمبر القادم، يقف العالم أجمع أمام منعطف جديد، مترقبا حزمة العقوبات القاسية التي تتضمن فرض عقوبات ضد الشركات، التي تدير الموانئ الإيرانية، إلى جانب الشركات العاملة في الشحن البحري وصناعة السفن، فرض عقوبات شاملة على قطاع الطاقة الإيراني، وخاصة قطاع النفط، وكذلك فرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني وتعاملاته المالية.

القضية أكبر من فقد مواطن سعودي داخل قنصلية بلاده إثر خطأ يحصل مثله المئات، بدءا من سجن أبو غريب وانتهاء برئيس الإنتربول، لكنه القميص الذي يرفعه الأوروبيون أمام السعوديين ليقولوا بالفم المليان اضغطوا على ترمب ليترك لنا إيران «الإرهابية» ونحن سنترككم في حالكم.