&محمد كركوتي

&ينتظر العالم في غضون أسبوعين تقريبا الموجة الثانية من العقوبات الأمريكية على النظام الإرهابي في إيران. وهذه العقوبات لا تشبه غيرها من التي تعرض لها هذا النظام سابقا. إنها قاسية وعملية، وهي حادة وواضحة، كما أنها تستند على إرادة أمريكية ستمضي حتى نهاية المطاف في حربها على الإرهاب الإيراني. وإدارة الرئيس دونالد ترمب، من أوضح الإدارات في رسم سياساتها حيال هذا البلد أو ذاك، وفي وضع إطار لعلاقاتها مع كل بلدان العالم. حتى إنها اتخذت مواقف قوية ضد حلفائها التاريخيين من الدول الغربية، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي، وذلك التزاما من ترمب بما أعلنه قبل وصوله إلى السلطة.

ومن هنا، لا رجعة في السياسة الأمريكية حيال إيران، بصرف النظر عن أي اعتبارات، مع التأكيد هنا على أن كل أطراف الإدارة الأمريكية موافقة على طبيعة هذه السياسة. العقوبات الأمريكية التي ستفرض في الخامس من الشهر المقبل، لا يمكن لنظام علي خامنئي تحديها، وهو الذي يعيش أسوأ أيامه على الصعيدين الداخلي والخارجي. ففي الأشهر القليلة الماضية، انطلقت سلسلة من المظاهرات والاحتجاجات حتى الانتفاضات ضد النظام لأسباب مختلفة، لكنها كلها ترتبط بالوضع المعيشي للمواطن الإيراني، إلى جانب احتجاجات على وصول الفساد إلى مستويات تاريخية قياسية في أوساط القيادة العليا في البلاد. ولأن الفساد بلغ هذا المستوى، فلم تنفع إجراءات عزل بعض المسؤولين من مناصبهم في تهدئة الأوضاع، أو تخفيف الاحتقان الشعبي، كما لم تستفد السلطة من الحملات التي قامت بها على التجار وأصحاب محال الصرافة، من أجل وضع حد ما للانهيار اليومي للعملة الوطنية. ويبدو واضحا أن إدارة الرئيس ترمب لن تهدأ حتى تلتزم كل البلدان الأوروبية على وجه الخصوص بالعقوبات الأمريكية القديمة والجديدة. والحق فإن العلاقات بين هذه الدول والنظام الإيراني تتراجع بصورة مستمرة، خصوصا بعدما ثبت تمويل النظام في إيران شبكات إرهابية تنشط على الأرض الأوروبية، ناهيك عن محاولاته ملاحقة وقتل - إذا أمكن - المعارضين الإيرانيين أينما وجدوا. وكان آخر تصادم دبلوماسي بين باريس وطهران بهذا الخصوص. المهم الآن أن العقوبات الأمريكية هذه المرة متنوعة ومرعبة حقا لأي بلد؛ لأنها ببساطة تستهدف حتى المداخيل المالية لهذا النظام من جذورها. وهذه العقوبات تشمل الموانئ الإيرانية، إلى جانب الشركات العاملة في الشحن البحري وصناعة السفن. ولكن أهم نقطة فيها، هي تلك التي تحظر تصدير النفط الإيراني؛ حيث تفرض عقوبات على كامل قطاع الطاقة في البلاد. وأيضا، تشمل العقوبات البنك المركزي الإيراني وتعاملاته المالية. طبعا هذه العقوبات ستأتي بعد أخرى فُرضت في آب (أغسطس) الماضي، وهي تشمل "من ضمن ما تشمل" حظر تبادل الدولار مع الحكومة الإيرانية، وحظر التعاملات المتعلقة بالمعادن النفيسة. ومن النقاط المهمة وقتها أيضا، هي تلك التي ارتبطت بوقف التعامل بالريال الإيراني أو سندات حكومية، إضافة إلى عقوبات أخرى مختلفة، تشمل صناعة السيارات والسجاد وتوريد الألمنيوم والمعدات التكنولوجية وغير ذلك.

العقوبات محكمة من كل النواحي. وحتى قبل حلول موعد عقوبات الشهر المقبل، تأثرت سلبا بالفعل عمليات تمويل الإرهاب من جانب نظام علي خامنئي، إلى جانب طبعا نقص تمويل منظمات إرهابية تابعة لطهران، مثل حزب الله وما يشبهه من عصابات. والعجز المالي شمل حتى رواتب شريحة من الموظفين الحكوميين في البلاد، إلى جانب تراجع مخيف للخدمات العامة. الشهر المقبل سيكون من الصعب على النظام الإيراني تصدير النفط. وأبلغت بالفعل عدة دول مستوردة لنفط إيران، بأنها غير مستعدة للتوقيع على صفقات نفطية مستقبلية جديدة، كما أن السوق النفطية العالمية ليست في أزمة، وإن حدثت أي ثغرة ما، يمكن سدها بأسرع وقت. فلا خوف على الإمدادات حتى لو توقف النفط الإيراني سنوات. المهم الآن المشهد المحلي في البلاد. فالعقوبات الأمريكية لا تستهدف نظام إيران فحسب، بل تشمل أيضا كل جهة تسول لها نفسها العمل لمصلحة إيران. وقامت السلطات الأمريكية أخيرا بالفعل بفرض عقوبات على جهات "وأفراد" ثبت تورطها بالعمل لمصلحة خامنئي مباشرة وما يسمى الحرس الثوري. واعترفت دول أوروبية عديدة في الفترة الأخيرة بأن هناك جهات تعمل لمصلحة إيران تم تحييدها. على كل حال، ليست سوى أيام فقط، وستبدأ المرحلة الثانية من الخنق المالي الأمريكي للنظام الإيراني، كما أن تهديدات واشنطن للدول التي ستواصل التعامل مع إيران وصلت إلى أعلى مستوى، وعلى طريقة ترمب، كانت قوية وصريحة. فالشركات الغربية التي خرجت مبكرا من إيران، ضمنت لنفسها الأمان من العقاب الأمريكي، في حين أن هذا العقاب سيشمل - إذا اضطر الأمر - حكومات دول غربية هي في الواقع حليفة تاريخية للولايات المتحدة، لكن - كما يبدو - من خلال متابعة توجهات هذه الحكومات، فإنها ليست متحمسة "كما كانت" لمواصلة تحدي القرارات الأمريكية الخاصة بالعقوبات.