سلطان البازعي&&

تداول السعوديون والعرب خلال الأيام الماضية مقطع فيديو يتحدث فيه رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتانياهو ويتبجح بالقدرات العلمية الخارقة والتفوق العسكري الإسرائيلي الساحق في المنطقة، وهو بالطبع يعرف متى يتحدث على أصوات انهيارات البنى التحتية والعلوية في الدول العربية التي كانت تسمى دول الطوق على رؤوس الشعوب التي عاشت على وهم أن قياداتها هي التي ستحقق «البعث» العربي وتنتصر للقومية العربية، بينما كانت هذه القيادات تستمد بقاءها على كراسي الحكم من بيع هذا الوهم، وهو الوهم الذي تحطم في أحداث ما يسمى «الربيع العربي» والذي أدخل عدداً من الشعوب العربية في نفق لا يعلم إلا الله أين نهايته. هذا الوهم بدأ مع حركات الاستقلال العربية من الاستعمار في العقدين اللذين أعقبا الحرب العالمية الثانية، وصعود عدد من الأنظمة العسكرية، عبر سلسلة من الانقلابات التي ادعت أنها نابعة من الشعوب وأنها هي التي تحمل تباشير النهضة والنماء، في هذه الفترة ذاتها تم تأسيس دولة إسرائيل بقرار أممي على رغم أنوف العرب، وعلى مدى العالم كانت أوروبا تنفض عنها غبار الحرب وتزيل أنقاضه لتنهض من جديد، حتى ألمانيا التي منيت بالهزيمة عادت لتكون قوة اقتصادية ضاربة، وكذلك الحال في اليابان في أقصى الشرق، كما أن دولاً لم تكن تحمل أي شيء من مقومات الحياة سوى عزيمة أبنائها مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وتايلاند وتايوان وسنغافورة أصبحت كيانات اقتصادية ذات وزن في العالم، وهذه الدول كلها بدأت مع البدايات الحديثة لمصر وسورية والعراق، بينما بقي عالمنا العربي ينتقل من أزمة إلى أخرى، تخدره شعارات مثل «لا صوت يعلو على صوت المعركة». وحدها دول الجزيرة العربية بقيت مستقرة وبمنأى عن زلازل وبراكين العالم العربي، ليس لأن الله حباها بنعمة النفط فحسب، وإنما لأن الله رزقها أيضاً بأنظمة حكم مستقرة وثابتة ومتصالحة مع ذاتها ومع شعوبها، أنظمة لم تكن طارئة على السلطة ومتشبثة بها، وإنما اعتبرتها مسؤولية يجب حملها والقيام بواجباتها، هذه الأنظمة التي كانت توصف بأنها «رجعية» و «قبلية» كانت هي الأنظمة الأصيلة المتوافقة مع ثقافة الشعوب، والتي تسمح بالتطور الطبيعي وليس الطفرات الثورية التي أسست تنظيمات حكم (أحزاباً وبرلمانات) مفرغة من مضمونها، هي أدوات إلهاء أكثر منها قنوات مشاركة. كان لا بد من هذه التداعيات لمن استمع إلى كلمات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في منتدى مستقبل الاستثمار الأسبوع الماضي. فهذا القائد الشاب، الذي يجب أن يعتبره كل مواطن سعودي وعربي هدية ثمينة من والده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، تحدث بلغة واثقة وقوية على رغم كل الأعاصير التي تحيط به وببلاده، وقف بهدوء الكبار ليقلب الطاولة على كل من كان ينتظر أو يتمنى أن يشهد انهياراً لمشروعه الحضاري الكبير. هذا الحديث ليس الأول الذي يبعث الأمل، ولكنه جاء في وقت مهم تصاعدت فيه الأصوات التي تريد شيطنة بلادنا وتقويض نظامها.


لذا، فإني كمواطن عربي سعودي، سأسرد هنا مطالبي من الأمير محمد بن سلمان حرصاً على مستقبل بلادي وأبنائي، فعلى يده وأيديهم سيتحقق الحلم الذي كنا نراه بعيداً:

نعم... أريدك أن تفرض العدالة والقانون، ولا تستثني أحداً، ليس في قضية جمال خاشقجي رحمه الله فحسب، وإنما في كل القضايا والمجالات كما حدث في قضايا الفساد، وكما شهدنا في عمليات استعادة الإقطاعات العقارية الهائلة. ونحن معك ولو على أنفسنا.

نعم... أريدك أن تخوض حروبك لتنمية المنطقة العربية، فنحن مثلك نؤمن أن التنمية نهر يجري ويستمد قوته من الروافد التي تصب فيه، ومن أراد أن يلحق بالركب فأهلاً به، ومن شاء البقاء في المياه الآسنة فليبق حيث هو ليواجه مواطنيه.

نعم... أريدك أن تمضي في تطوير المشاريع الاقتصادية الكبرى، «نيوم» «البحر الأحمر» و «القدية» وغيرها، فنحن أيضاً نؤمن معك بأن السعودية الجديدة ستكون في صدارة المشهد العالمي، وأن الحلم يحققه الواعون المجدون، وأن أجيالنا التي تعمل معك الآن والتي ستأتي غداً لن تكون عبئاً على الدولة لتبحث لها عن فرصة عمل، بل إنها ستكون هي التي تخلق فرص العمل بالتفكير الإبداعي المنتج.

نعم... أريدك أن تعتمد بعد الله على هذا الشعب الذي شبهته بجبل طويق، فهو شعب يؤمن بما تفعل ولن يخذلك وأنت تخوض حروب النهضة والنماء، ولن تحبطه خسارة معركة –لا سمح الله-، فأنت تقود جيلك الذي ستتغير ثقافته معك لمزيد من الإنتاج والابتكار. نعم... أريدك أن تمضي في تطوير أداء القطاع العام ليكون منافساً في الأداء، وما شهدنا خلال عامين من بوادر يؤكد أنك تمضي في الطريق الصحيح.

نعم... أريدك أن تبعث مزيداً من الدماء في شرايين القطاع الخاص ليكون قطاعاً منتجاً قوياً ومنافساً لا قطاعاً نفعياً.

نعم... أريدك أن تواصل عملية تطوير التعليم، نريد أجيالاً تفكر وتبتكر وتبدع وتعالج المشكلات، لا أجيالاً تحفظ نصوصاً من أجل أن تحصل على شهادة.

وأخيراً... أريدك أن تلتفت إلى قطاع الإعلام، لعل هذه الالتفاتة تصنع لنا إعلاماً يليق بنا كدولة ذات حضور دولي وإقليمي، وكشعب متطلع لما ستحققه رؤية المملكة 2030.

&