& حمد اللحيدان

الأزمة المالية العالمية الحالية التي بدأت بوادرها ومؤشراتها بالظهور ربما يكون من أهم أسبابها الغرق في الديون التي وصلت عالمياً إلى ما يربو على «250» ترليون دولار. ولا توجد مؤشرات على تراجعها أو بوادر لحلها بل إن كل المؤشرات تشير إلى إمكانية تفاقمها. وأكثر من يعاني منها حالياً الدول الأوروبية، وفي مقدمتها اليونان وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا التي أصبحت ديون كل منها أكبر من ناتجها المحلي، أما في أميركا فقد تعدى الدين العام ما يربو على «20» ترليون دولار حتى الآن، ولعل هذا من أهم دوافع الحراك الاقتصادي الأميركي المشاهد، ناهيك عن دول أخرى تكاد تصل إلى حافة الإفلاس مثل فنزويلا والأرجنتين، كما أن بعض الدول تعاني من انهيار عملتها مثل إيران وغيرها، ناهيك عن وجود دول فاشلة بسبب عدم الاستقرار واستشراء الفساد.

إن الأزمة الحالية في تفاقم مستمر، وهو ما جعل أميركا تتحرك لتعيد تقييم علاقاتها الاقتصادية مع الدول الأخرى، واللجوء إلى رفع الجمارك على الواردات، وإجراء محادثات ثنائية مع الدول الأخرى، بالإضافة إلى ممارسة الضغوط على الحلفاء والأصدقاء مثل الاتحاد الأوروبي وغيره في سبيل تحسين ميزان التبادل التجاري لصالحها. وبالطبع مثل هذه الإجراءات سوف تجر إلى إجراءات مضادة من قبل الدول المتضررة مثلما فعلت الصين على سبيل المثال، وهذا الفعل ورد الفعل سوف يؤديان إلى استقطاب اقتصادي يترتب عليه استقطابات أخرى لا تحمد عقباها، خصوصاً إذا تمت ممارسة الضغوط من قبل كل طرف على حلفائه لمقاطعة الطرف الآخر. وهذا سوف يشكل مدخلاً واسعاً للتنافس على مواقع الوفرة الاقتصادية من قبل القوى الكبرى، ولن ينجو من ذلك إلا من أمسك بالعصى من وسطها وتعامل بحيادية مع كل الأطراف المتنافسة، وعزز ذلك بالاستعداد لتلك الأزمة الداهمة التي إذا انفجرت فإنها سوف تحرق الأخضر واليابس مما يعني أن الاستعداد لها يتم من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجالات الحيوية كافة، وفي مقدمتها الأمن المائي والغذائي واللجوء إلى الملاذات الآمنة تحسباً لأسوأ الاحتمالات، ناهيك عن أخذ الفرص الاستثمارية المترتبة على تلك الأزمة المحتملة بعين الاعتبار.

إن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية قد تكون تراكمية وقد تكون مفتعلة، وكل ذلك يخضع للاحتمالات المستقبلية التي يديرها جهابذة فكر المستقبل، والذين قد يوصون بالحروب الأهلية أو المناطقية أو الحصار أو المقاطعة أو ربما الحرب المباشرة إذا لزم الأمر للوصول إلى بغيتهم.

وبما أن المملكة سبقت الأحداث من خلال رؤية 2030 وما يدعمها من مبادرات استثمارية فقد انعقد مؤتمر «دافوس الصحراء» في الرياض الذي ركز على جذب الاستثمارات الخارجية، والذي شارك فيه عدد كبير من الشركات العالمية الرائدة مثل شركة ترفيجور لتجارة المواد والسلع الأولية وتوتال وهيونداي وبيكرهيوز وغيرها، إلى جانب حضور ومشاركة مئات المصرفيين والمسؤولين التنفيذيين في الأذرعة الاستثمارية العالمية. وقد أعطت نتائج ذلك التجمع الاستثماري العالمي انطلاقة جديدة للاقتصاد السعودي، حيث تم توقيع عدد كبير من الاتفاقيات الاستثمارية بعشرات المليارات من الدولارات. إن هذا يعتبر جزءاً لا يتجزأ من الاستعداد للاحتمالات المستقبلية.... والله المستعان.