&أمريكا تلجأ إلى قانون لم يستخدم منذ إنشاء "منظمة التجارة" في النزاع مع الصين

ماجد الجميل&&

مع نشوب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حدثت عدة تطورات مهمة، أبرزها لجوء واشنطن إلى قانون لم يتم استخدامه منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1995.
واستخدمت الولايات المتحدة القسم 301 من قانون التجارة لعام 1974 لتقييد الواردات من منتجات مختلفة من الصين. كما فرضت قيودا تجارية على واردات الصلب والألمنيوم، عملا بالقسم 232 من قانون التوسع التجاري لعام 1962.&
وتؤكد إدارة ترمب أن الإجراء الأول له ما يبرره نتيجة لسياسات وممارسات الصين غير العادلة في مجال الملكية الفكرية، والثاني ضروري لمنع تهديدات ناشئة للأمن القومي الأمريكي.
ويخول القسم 301 من قانون التجارة الأمريكية 1974 (الطبعة الأخيرة 2018) الرئيس الأمريكي اتخاذ جميع الإجراءات المناسبة، بما في ذلك إجراءات تجارية انتقامية، للحصول على إزالة أي عمل أو سياسة أو ممارسة حكومة أجنبية تنتهك اتفاقية تجارية دولية أو غير مبررة، غير معقولة، أو تمييزية، من شأنها أن تثقل كاهل أو تقيد تجارة الولايات المتحدة.&


في حين يخول القسم 232 من قانون التوسع التجاري لعام 1962 في ظروف معينة الرئيس الأمريكي فرض تعريفات إذا كان "منتج تستورده الولايات المتحدة بكميات معينة أو في ظروف معينة يفرض تهديدا أو ضعفا على الأمن القومي".&
واستخدم هذا القسم مرتين في 1979 و1982، ولم يتم اللجوء إليه منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1995، حتى تم الاحتجاج به من قبل الرئيس دونالد ترامب في 8 آذار (مارس) 2018، لفرض تعريفات جمركية على واردات الولايات المتحدة من الصلب والألمنيوم من الصين والاتحاد الأوروبي وكندا، وغيرها.


ولا يزال الصراع بين الولايات المتحدة والصين يزداد حدة، لكن هناك دلائل على أن الإدارة الأمريكية تتطلع إلى تهدئة الصراع العالمي على الصلب والألمنيوم، وإن كان ليس بالضرورة مع الصين.
وفي 15 حزيران (يونيو)، أصدر مكتب الممثل التجاري الأمريكي قائمتين للسلع الصينية التي ستخضع لرسوم جمركية بنسبه 25 في المائة نتيجة لتحقيق أجري في إطار القسم 301. تغطي القائمة الأولى نحو 34 مليار دولار في السلع وتتألف من الآلات والأجهزة الميكانيكية، المعدات الكهربائية، المركبات، الطائرات، السفن ومعدات النقل المرتبطة بها وأجزائها، أجهزة القياس، الأدوات الطبية أو الجراحية. وتغطي القائمة الثانية نحو 16 مليار دولار في السلع وتتألف من مواد التشحيم، بلاستيك، آلات وأجهزة ميكانيكية، معدات كهربائية، قاطرات، مركبات، وأجزاء منها، وأدوات القياس.&
وفرضت الرسوم على البضائع على القائمة الأولى ابتداء من 6 تموز (يوليو)، بينما خضعت البضائع في القائمة الثانية للرسوم اعتبارا من 23 آب (أغسطس).
وبعد وقت قصير من إعلان الممثل التجاري الأمريكي (يُعادل وزير التجارة الخارجية) في 15 حزيران (يونيو)، أعلنت الصين عزمها على الانتقام من الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على بعض السلع الأمريكية المستوردة إلى الصين.&
وأصدرت الصين قائمتين للسلع المستهدفة، القائمة الأولى غطت المنتجات الزراعية، السيارات، والمنتجات المائية.&
والقائمة الثانية غطت الوقود المعدني، المنتجات الكيماوية، والآلات الطبية. وفرضت الصين الرسوم على هذه القوائم اعتبارا من 6 تموز (يوليو) و23 آب (أغسطس) على التوالي.
ورد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على الإجراءات الانتقامية الصينية بالطلب من الممثل التجاري الأمريكي وضع قائمة إضافية بواردات قيمتها 200 مليار دولار من الصين لتخضع لرسوم جمركية بنسبه 10 في المائة.&
بعد ذلك الإعلان بوقت قصير، وعدت الصين بالتصدي للقرار الأمريكي بـ "تدابير نوعية وكمية".&
وفي 3 آب (أغسطس)، أعلنت الصين عن مهام جديدة في نطاق 5 - 10 في المائة من وارداتها من الولايات المتحدة تصل قيمتها إلى 60 مليار دولار، وفرضت هذه الرسوم اعتبارا من 24 أيلول (سبتمبر).
وفي 18 أيلول (سبتمبر)، أصدر الممثل التجاري الأمريكي قائمته الثالثة من التعريفات بموجب القسم 301، التي تُغطي ما يقرب من 200 مليار دولار قيمة الواردات من الصين.&
ومقارنة بالقائمة الثالثة، تتضاءل قيمة الواردات التي تغطيها القائمتان الأولي والثانية. وتخضع المنتجات المستهدفة هذه المرة لتعريفة إضافية بنسبة 10 في المائة، اعتبارا من 24 أيلول (سبتمبر)، وهو ما يزيد إلى 25 في المائة ابتداء من 1 كانون الثاني (يناير) 2019.&
وتتضمن القائمة الثالثة 5745 خطا تعريفيا تغطي مجموعة واسعة من المنتجات، بما في ذلك الكائنات الحية والمنتجات الحيوانية، المنتجات النباتية، المواد الغذائية الجاهزة، المنتجات المعدنية، المنتجات الكيماوية، البلاستيك والمطاط، الجلود والمواد الجلدية، الخشب والمواد من الخشب، الورق، المنسوجات، الحجر، السيراميك، الزجاج، اللؤلؤ، المعادن الأساسية والمواد المتفرعة منها، المعدات الميكانيكية والكهربائية، قطع غيار المركبات، المعدات الفوتوغرافية والسينمائية، والمواد المصنعة المتنوعة.&
في 12 تشرين الأول (أكتوبر)، أكدت الجمارك وحماية الحدود الأمريكية أن الواردات من الصين التي منحت في السابق رسوما مخفضة أو تم تعليق الرسوم عليها بموجب مشروع قانون التعريفات المتنوعة الموقع حديثا ستواجه التعريفات المحددة في القسم 301.
وحسب تعليمات توجيهية أصدرها الممثل التجاري الأمريكي (تم نشرها على موقع المكتب التجاري الأمريكي) يُمكن للجهات المعنية في الولايات المتحدة (مثل المشترين أو المستوردين) طلب استبعاد منتجات معينة من الرسوم الجمركية بموجب القسم 301 التي تغطيها القائمتان الأولى والثانية. لكن الإشعار المتعلق بالقائمة الثالثة لم يشر إلى أنه ستكون هناك عملية استبعاد بعض منتجات القائمة.
وانقضي الموعد النهائي لتقديم الطلبات المتعلقة بالقائمة الأولى في 9 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لكن الموعد النهائي للقائمة الثانية ينقضي في 18 كانون الأول (ديسمبر) المقبل.&
وينبغي أن تتضمن طلبات الاستبعاد معلومات مثل: الخصائص الفيزيائية التي تميز المنتج المراد استبعاده عن الرسوم عن المنتجات الأخرى، قدرة المصرف على إدارة الاستبعاد، الكمية والقيمة السنوية للمُنتج الصيني المنشأ الذي اشتراه طالب الاستبعاد في كل من السنوات الثلاث الماضية، والنسبة المئوية لمجموع المبيعات الإجمالية في 2017 للمنتج الصيني المنشأ.
وفي آذار (مارس) من هذا العام، أعلنت الإدارة الأمريكية عن تعريفات عامة على الواردات التي من شأنها أن تهدد الأمن القومي الأمريكي، وهي تعريفة بنسبة 25 في المائة على الصلب وتعريفة بنسبه 10 في المائة على الألمنيوم.&
وتفاوضت عدة بلدان مع واشنطن بشأن صفقاتها الخاصة لتجنب التعريفات. فأستراليا معفاة تماما لكن تم وضع وارداتها من الصلب والألمنيوم تحت الرصد لمراقبة ما إذا كانت هناك زيادة مُفاجئة في صادراتها. وتخضع الأرجنتين، والبرازيل، وكوريا الجنوبية لحصص معينة من الواردات على الصلب (وليس للتعريفات).&


والأرجنتين لديها حصة للألمنيوم، لكن البرازيل وكوريا الجنوبية لم تتوصلا إلى اتفاق مماثل، وبالتالي هما تخضعان حاليا لتعريفة على الألمنيوم دون أي قيود كمية.
ورصدت "الاقتصادية" على الموقع الإلكتروني للممثل التجاري الأمريكي أنه يمكن تعديل الإجراءات الأصلية والشاملة للقسم 232 على أساس كل بلد على حدة.&
فعلى سبيل المثال، في آب (أغسطس)، زيدت التعريفة الجمركية على واردات الصلب من تركيا إلى 50 في المائة استجابة لانخفاض قيمة الليرة التركية، إذ كان هناك قلق من أن انخفاض قيمة الليرة سيجعل واردات المنتجات التركية أقل تكلفة، وبالتالي سيتم تقويض فعالية التعريفات الأصلية للقسم 232.&
وفي آخر تطور في هذا المجال، ستدخل كندا والمكسيك في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، في مفاوضات للحصول على حصص للتصدير تحل محل تعريفات القسم 232.&
وقامت الإدارة أخيرا، بإخطار الكونجرس بعزمها على التفاوض بشأن اتفاقات تجارية مع اليابان والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي قد ينطوي على منح الطرفين حصصا بدلا من تعريفات القسم 232، وهو ما يعني عمليا تهدئة الحرب التجارية في ميدان الصلب والألمنيوم مع كندا، والمكسيك، واليابان، والاتحاد الأوروبي، وإبقاءها على حالها مع الصين.


وتلقت عملية استبعاد المنتجات طلبات قوية منذ فرض تدابير القسم 232، وأن تنفيذها، وهو أمر حتمي، يعني تخفيفا لنطاق الحرب التجارية. كما تم منح أصحاب المصلحة الأمريكيين حق استبعاد المنتجات على أساس متجدد.&
ووفقا لوزارة التجارة الأمريكية، سيتم منح استبعاد المنتج إذا لم يتم إنتاج المادة في الولايات المتحدة بكمية كافية ومتاحة بشكل معقول أو بمستوى مرضٍ من الجودة، أو إذا كان هناك اعتبار لأمن وطني محدد يُبرر الاستبعاد. وتم أخيرا توسيع نطاق عملية استبعاد المنتجات لتشمل الواردات من البلدان التي تتمتع بالحصص.
وردا على انتقادات من الشركات والكونجرس، أدخلت الإدارة بعض التغييرات المهمة على عملية استبعاد المنتجات منذ إنشائها لأول مرة، جميعها تعمل لمصلحة تخفيف حدة القيود التجارية.
وحسب موقع الممثل التجاري الأمريكي، تم في الوقت الحاضر منح أكثر من 3500 استثناء لمنتجات الصلب والألمنيوم (نحو 10 في المائة من الطلبات التي تم تقديمها). وفي جميع الحالات، باستثناء حالات قليلة، لم يتم الاعتراض على الاستثناءات الممنوحة.