&بكر عويضة&&

&الجواب البديهي عن سؤال العنوان، يقول إن أول مكان لكل امرأة، أياً كان مُجتمعها ومنهل ثقافتها، هو بيتها. إنما، بالمقابل، أليس المنزل هو أيضاً العرين الأول لربّ كل بيتٍ؟ بالتأكيد، لكن أغلب الزاعقين بصيحة «مكان المرأة بيتها» هم في الواقع رجال يقصدون، على وجه التحديد، حبسَ النساء تحت أسقف البيوت، والإبقاء عليهن وراء أبواب موصدة، حيث ليس لهن أي دور في بناء المجتمع، بأي مجال، ولا رأي يدلين به إزاء أحداثٍ تجري حولهن، أو حيثما تقع، كأنهن صُلب متجمد، أو جدران صماء ليست تسمع ولا تنطق، أو هن خَلقٌ تنحصر مهمته في أن يؤدي دور الإنجاب والإبقاء على النسل خشية أن يندثر.


أهو كلام خارج المعقول، كأنه ينتمي لأزمان سحيقة ولّت الأدبار منذ عصور بعيدة؟ نعم، هو كذلك، لكن اللامعقول الأشد غرابة، أن هناك بين الرجال من لم يزل يعتقد به، ويقول بمثله، ويجتهد لأجل وضعه موضع تطبيق صارم، غير قابل لأي مرونة. سوف يقفز أحدهم، أو أكثر، على الفور، كي يشير بأصبع الاتهام إلى ثقافة بعينها، أو مجتمع محدد، أو ديانة دون غيرها، فيزعم أن ما تقوم عليه تلك الثقافة من مناهج ذكورية، هو ما يعزز هكذا نظرة دونية للمرأة. لكن هذا القفز المتسرّع في الاستنتاج، هو أيضاً نتاج فهم مغلوط يتعمد إلحاق الأذى بثقافة معيّنة، ويسعى لتنميط صورة قومٍ دون غيرهم في أذهان أقوام أخرى، بينما الواقع يقول بغير ذلك تماماً، إذ من الثابت وجود هكذا تصوّر متخلف للمرأة في أوساط مختلف الثقافات والعقائد والمجتمعات.


الخميس الماضي، كدتُ أقع في مأزق تسرّع استنتاج مشابه، عندما صدمني إعلان احتل صفحة كاملة من صحيفة «إيفننغ ستاندرد» اللندنية، زعق بالمقولة ذاتها: «مكان المرأة بيتها». لكن الصفحة التي تلتها أوضحت أن الإعلان يهدف إلى نسف تلك المقولة من أساسها، عبر الدعاية للمسلسل التلفزيوني «House Of Cards» فقد أوضحت الصفحة: «لا يقف أحد خلف أي امرأة قوية»، وفي ذلك رد واضح على مقولة أخرى ذاعت شهرتها عبر مختلف الثقافات بقصد تبجيل دور النساء، حتى لو بقين في بيوتهن: «وراء كل رجل ناجح تقف امرأة». مع ذلك، رغم التوضيح، لم تختف من المشهد أمامي حقيقة وجود تيار معادٍ لنجاح المرأة في الانطلاق نحو آفاق عدة، ثم اختراق حواجز كثيرة كانت توضع أمام انطلاق قدراتها. تُرى، أين هو ذاك التيار المتصادم مع حقائق العصر؟ أهو هناك فحسب، في شرق متخلف أو جنوب متصحِّر؟ كلا، على الإطلاق، بل هو موجود في صميم مجتمعات الغرب المتقدم، ولعل أغرب ما في الأمر أن يتزعم هذا التيار المتطرف في العداء لانطلاقة المرأة، شبان يُفترض أنهم قادة جيل عصر ما بعد ثورة التكنولوجيا، أي زمن الوصول إلى كواكب غير الأرض، واحتمال التأسيس للحياة في عوالم جديدة.


ميلو يانوبولوس أحد أبرز الوجوه البريطانية الشابة المتزعمة لذلك التيار اليميني يعتقد أن آلة غسل الملابس كانت من أسوأ الاختراعات، لأنها أسهمت في تمكين النساء من الخروج إلى العمل. الأرجح أن ميلو، الذي يعطي نفسه وصف المؤيد لمذهب حرية الإرادة - «ليبرتيريان» - لديه من الأسباب ما يبرر، كما يتصوّر، الغضب على آلة غسل الملابس، وهو ما أشار إليه في مقال غاضب له قبل عامين (29 - 8 - 2016) نُشر على موقع «بريتبارت» طالب فيه بسحب آلة الغسل من الأسواق كلياً، وإلغاء حبوب منع الحمل أيضاً، كي تشعر المرأة بالسعادة من جديد، وفق زعمه.


هكذا مفهوم مليء بعُقدٍ تحكم شخصية صاحبه تجاه المرأة ليس جديداً. معروف أن شخصيات عدة تنتمي لثقافات وعقائد مختلفة، احتلت مراتب بارزة في مجتمعاتها، خلال حياتها، وبعد رحيلها، حكمت نظرتها تجاه النساء مواقف اتسمت بكثير من العداء المُستغرب، الذي حار كثيرون في تفسير أسبابه. لكن الغريب أن يقترب الإنسان من دخول العِقد الثالث للقرن الحادي والعشرين، وهناك من لم يزل يعتقد أن ليس للمرأة سوى الجلوس في بيتها، وما من دورٍ لها في بناء مجتمعها ونهضة بلادها. هُوَ وَهْمٌ لكنه، للأسف، قائمٌ ويحاول أن يقاوم كي يبقى.

&