محمد الساعد

ربما هو القدر وربما هي الجغرافيا والمصالح المستقرة هي من جمعت الرياض وموسكو، فكلا العاصمتين تنظران للمشروع الغربي خاصة ما أطلق عليه «الشرق الأوسط الجديد» بريبة كبيرة ليس لأهدافه الملتوية فقط، بل ولوضوح آثاره التدميرية.

هناك أوجه شبه بين الدولة السعودية والروسية، فالبلدان محافظان وينتميان لفكرة الدولة المركزية المسؤولة عن التنمية وتحقيق الأمن والرفاهية والدفاع عن مصالح الأمة، كما أنهما يرفضان التدخلات الوقحة من الغرب ويعتزان بسيادتهما وقيمهما ويفهمان أن تلك التدخلات من منظمات أو أجهزة إعلام هي في حقيقتها واجهة خشنة لسياسات غربية هدفها الابتزاز وتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية.

بعد تحول روسيا لعملاق إنتاج الغاز وأكبر مصدِّر له لم يعد الغرب «الأناني» قادراً على تحمل رؤية روسيا المتعاظمة اقتصادياً وعسكرياً هي من تسيطر على أسواق الطاقة، لا بل وهي من يتحكم في تدفئة مواطنيها ولو أرادت روسيا أن تغلق أنابيب الغاز عن الأوروبيين لبقي عشاؤهم بارداً لسنوات لن يستطيعوا إكمال طبخه، إنه قدرهم الذي يفرون منه.

ألمانيا وفرنسا خططتا لإنهاء سيطرة موسكو على الغاز، لذلك كان لابد للأوروبيين من إيجاد مصدر آخر للغاز الروسي، جاء بحر قزوين كخيار أول بما فيه من مخازن غاز هائلة، إلا أن روسيا تنبهت للخطة الأوروبية مبكراً وأجهضتها في مهدها، كان الأوروبيون قد عقدوا أول اتفاقاتهم العام 2009 لمد أنابيب غاز من بحر قزوين باتجاه إيران وتركيا ثم بلغاريا وأوروبا.

استبدل الأوروبيون ولو مؤقتاً مشروع بحر قزوين بالخطة باء، وهنا كانت الأنظار تتجه إلى المنطقة الرخوة في هذا العالم ألا وهي العالم العربي، فخُلق لها مشروع الشرق الأوسط الجديد أو ما يمكن أن يطلق عليه «ربيع الغاز»، من أجل هدِّ هذا الشرق وتجريفه وتحويله لمستنقع يسهل بعدها مد أنابيب الغاز من الخليج العربي حيث منابع الغاز «القطري الإيراني» مروراً بالسعودية فالأردن وسوريا وتركيا وأخيراً أوروبا.

الربيع العربي جاء كما رُسم له تماماً حاملاً معه المداميك والجرافات وكل أحلام الغرب خاصة تجار اليسار وسماسرة الغاز، المخطط على الورق كان سهلاً لكن التنفيذ جاء دامياً ومرهقاً جداً، كما أن الدولتين القادرتين على إفشال المخطط «روسيا والرياض» كانتا على أهبة الاستعداد.

الطريق شائك جداً فهو يبدأ من حقول الغاز في قطر ولابد أن تسمح الرياض بمروره عبر أراضيها باتجاه سوريا ثم تركيا ثم أوروبا، فهل ستقبل السعودية وروسيا ذلك، من هنا جاء القدر والجغرافيا مسعفاً، فالرياض كما موسكو لديها غاز ولديها مصالح إستراتيجية في المنطقة والعالم ولا تقبل أن تكون مجرد منفذة للمشروع أو أن يتم ابتزازها وإشعال الحرب عليها كما حصل لاحقاً.

دعونا نتابع السيناريو..

يشتعل «الربيع العربي» في الدول المستهدفة، مصر وهي مزودة للغاز، وليبيا وهي كذلك مليئة بحقول البترول والغاز، على أن تلتقي أنابيبها مع الأنبوب الرئيسي الممتد من الدوحة إلى أوروبا، وعلى الرغم من خلاف الرياض مع دمشق فهي ترفض تغيير الأنظمة عبر الاحتجاجات لأن نهايتها حروب أهلية لا محالة، صحيح أن الرياض دخلت على خط الأزمة السورية لاحقاً لكنه دخول هدف لحماية المكون السني من الاجتياح والتمدد الإيراني، ولقد اشتكى القطريون على لسان حمد بن جاسم وزير خارجيتهم الأسبق من الدور السعودي قائلاً إنه هو من أعاق مشروع تحطيم دمشق.

الروس هم أيضاً بقوا على تخوم سوريا حتى أعلن الرئيس بشار الأسد أن جيشه تعب وهو على وشك السقوط، ساعات حتى بدأ سلاح الجو الروسي بتوجيه ضربات جوية في الأراضي السورية بتاريخ 30 سبتمبر 2015، بعد أن طلب الرئيس السوري بشار الأسد دعماً عسكرياً من موسكو ووافق مجلس الاتحاد الروسي على تفويض الرئيس فلاديمير بوتين استخدام القوات المسلحة الروسية خارج البلاد.

موسكو لم ولن تقبل بسقوط سوريا لتنشأ على إثرها دولة غير حليفة تسمح بمرور الغاز القطري عبر أراضيها لأنها ترفض أن تتحول إلى مجرد دولة هامشية في هذا العالم، وكذلك الرياض تؤمن أنه من غير المعقول فرض أمر واقع عليها والتغاضي عن مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية وتمرير الغاز عبر أراضيها إرضاءً لألمانيا وفرنسا وإيران وقطر، لقد سقط المشروع لكن آثار السخط والغضب لا تزال في تصرفات وحملات وحروب حلف الغاز التي اجتمعت وجمعت الدولتين السعودية والروسية.