محمد خليفة

لم يعد الانقسام بين الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة الديمقراطي والجمهوري دليلاً على ديناميكية الديمقراطية، وقدرتها على استيعاب الاختلاف، بل بات مؤشراً خطيراً على عمق الأزمة التي تجتاح المجتمع الأمريكي بتراتبيته المختلفة. وقد أسهم النجاح الغامض للمرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2016 في ظهور هذا الخلاف إلى عنق الزجاجة؛ وأصبح الاحتقان بين الحزبين عنواناً لهذه الحقبة. ورغم أن الأحزاب المعتدلة قد تكون بديلاً لتخفيف هذه الأزمة التي أصبحت أكثر بروزاً، إلا أن الناخبين الأمريكيين لا زالوا يعطون ثقتهم للحزبين الديمقراطي والجمهوري، ولا زالا يشكلان أكبر حزبين على الساحة الأمريكية. ولدى كل منهما وجهات نظر ومواقف متباينة حول العديد من القضايا الرئيسة، كالقضايا الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية إلّا أن ثمة فارقًا جوهريا يكمن في توجههما السياسي. فالحزب الديمقراطي أقرب إلى الوسط، وهو أيضاً ذو توجهٍ ليبرالي، وعادة ما يرتبط مع التقدم والمساواة. أما الحزب الجمهوري، فهو يميل إلى اليمين، ويرتبط مع العدالة والحرية الاقتصادية والمثل الأعلى على قاعدة «البقاء للأصلح».


وخلال العقود الطويلة السابقة لم يكن ثمة مشكلة بين الحزبين اللذين كانا يتناوبان على حكم الولايات المتحدة، لكن بعد أن اهتز الاقتصاد الأمريكي عام 2008، وظهرت أزمة الدين العام، بدأ الاختلاف بين الحزبين حول السبل الناجعة لمعالجة هذه الأزمة الكبيرة التي تنذر بكارثة قومية عامة. وخلال عهد الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، الذي كان عهداً توفيقياً بشكل عام، برز مشروع الرعاية الصحية الذي أقرته إدارته، كموضوع خلافيّ، حيث تعرض لانتقاد كبير من الجمهوريين الذين يدعمون نظم الرعاية الصحية الخاصة، ويعتقدون أن تنظيم الرعاية الصحية الوطنية لا ينبغي أن يكون تماما في أيدي الحكومة. بعكس الديمقراطيين الذين يدعمون الرعاية الصحية العامة، ويعتقدون أن الحكومة يجب أن تتدخل لمساعدة الأمريكيين الذين يكافحون لتغطية نفقات الرعاية الصحية.


وقد مثلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها ترامب على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، كابوساً حقيقياً للديمقراطية الأمريكية، لأن المرشحة الديمقراطية فازت بغالبية أصوات المقترعين، لكن المجمع الانتخابي أعلن فوز ترامب، ورغم أن هذا الرئيس لا ينتمي حزبياً إلى الجمهوريين، لكن أفكاره اليمينية، إضافة إلى توجهاته الاقتصادية، كرجل أعمال ناجح، تلاقت مع برنامجهم، فاعتمدوه كمرشح لهم، وقد أغضبت القرارات التي اتخذها، لاسيما فيما يخص الهجرة، والرعاية الصحية، والمناخ، والنظرة إلى الحلفاء، شريحة واسعة من الأمريكيين ذوي التوجه الليبرالي الذين يميلون إلى أفكار الحزب الديمقراطي، ويؤيدون انفتاح بلدهم وانخراطها بشكل فاعل في المجتمع الدولي.&
وكان اتهام روسيا بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية، لصالح الرئيس الحالي ترامب أقبح ما أفرزته أزمة الصراع بين الحزبين، وتم فتح تحقيق على أعلى مستوى بهدف إثبات هذا التدخل، ولايزال التحقيق قائماً على الرغم من أنه يخطو ببطء شديد، وجاءت نتائج انتخابات التجديد النصفي لمجلسي الشيوخ والنواب لتعزز هذا الانقسام، فقد نجح الديمقراطيون في انتزاع أغلبية مجلس النواب ما يعني تضييق الخناق على الرئيس ترامب وسياساته التي لا يرضى عنها الديمقراطيون. وقد أعلنت زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب، نانسي بلوسي، أمام حشد من أنصارها: «غدا سيكون يوما جديدا في أمريكا». مما ينذر بمواجهات تشريعية وسياسية قد تؤدي في النهاية إلى الإطاحة بالرئيس ترامب، خاصة إذا ما وجدت التحقيقات التي يجريها المحقق مولر ظهيرا داخل الكونجرس.


كما أعلن تشاك شومر زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ في تعليقه على الانتخابات الأخيرة، أن على الرئيس ترامب أن يقلق على مستقبله إذ صرح بأن عليهم كديمقراطيين حماية المحقق مولر، والكشف عن تدخل الروس في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كما دعا وزارة العدل لتعيين محقق خاص للكشف عن علاقة الرئيس ترامب بروسيا، مذكرًا بما فعله الكونجرس في فضيحة «ووتر جيت».
وزاد الطين بلة إقالة الرئيس ترامب لوزير العدل في حكومته جيف سيشنز مؤخراً، بعدما وجه ترامب له انتقادات لاذعة متهمًا إياه بالتقصير، والعجز، في الضغط على مولر لإنهاء التحقيق في دور روسيا في سباق الانتخابات الرئاسية.
إن نتائج الانتخابات الأخيرة، تنذر في المستقبل القريب باشتعال المعركة بين الحزبين الكبيرين، وربما يكون الرئيس الأمريكي ترامب كبش الفداء لتهدئة الاحتقان بينهما.

&