& حمد الماجد

&حين تعصف بالوطن عاصفة شديدة، فإن التعامل مع مثل هذه العواصف والأزمات يتطلب خصوصية وحذراً شديدين، تتوازن فيهما المطالبة بإحقاق الحق وإرساء العدل تجاه من فرَّط وقصَّر وأدخل الوطن في أتون أزمة خطيرة جرَّت على الوطن تبعات وإحراجات، وفي الوقت ذاته التعامل الحصيف بالنظرة الشمولية والعميقة إلى عواقب الأمور ومآلاتها وتأثيراتها على الوطن عموماً، فلو أن عائلات تسكن في شقق العمارة واشتعلت نار صغيرة في إحدى الشقق فيها فالمنطق والعقل والحصافة تفرض هبة جميع قاطني الشقق الأخرى أولاً لنجدة العائلة التي علقت النار في شقتها، وثانياً أن هبتهم لنجدتهم هي أيضاً ضربة استباقية وقائية حتى لا تنتشر النار في بقية شقق العمارة، ولو أن أحد سكان هذه العمارة تقاعس عن المساعدة وبدأ يشاغل البقية في التحقق من قصة النار وكيف بدأت ومن بدأها لكي يوبخه على إهماله لاتهمه الناس في عقله ورشده، فالوقت ليس وقت التلاوم والتبكيت والتوبيخ، وإنما وقت المحافظة على «كيان» العمارة كلها التي تحفظ الجميع وتؤويهم.

وهكذا الحال مع «الوطن»، الذي إذا تعرض لعواصف المؤامرات الإقليمية والأعاصير الإعلامية «الممنهجة» التي تتخذ من القضايا الإنسانية «قميص عثمان» تتوارى وراءه للإساءة إلى الوطن والمحاولة الدنيئة لخلخلة تماسكه وثباته، وهذا ما لم يفقهه البعض، الذين يظنون أن الدعوة للحمة الوطنية والالتفاف حول القيادة هو نوع من «التستر» على الأخطاء أو التساهل في التعامل معها أو طمطمتها أو هو تزلفٌ للقيادة، يَدْعونهم رَغَبَاً أو رَهَبَاً، ليس الأمر كذلك مطلقاً، بل الغاية حماية كيان الوطن كله، وهذا بالتحديد ما عناه الحكيم الحصيف علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين طلب من الذين يريدون الاقتصاص من قتلة عثمان المجرمين التريث حتى تتم له البيعة أولاً، ثم تستقر الأوضاع وتهدأ الأحوال، ثم يحاكمهم ويقتص منهم، وحاشا علياً - رضي الله عنه - أن يكون قد ماطل أو سَوَّفَ تبعاً لأهواء سياسية أو حظوظ شخصية.
ثمة مطلب مهم لتوعية الناس بفقه الأزمات، خاصة مع وجود الأزمات والمحن والفتن، خاصة في منطقتنا العربية، وللشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، وزير الشؤون الإسلامية السعودي السابق بحث علمي متين وعميق حول الموضوع ذاته عنوانه «فقه الأزمات والفتن»، لمن أراد الاستزادة من هذا الموضوع المهم، وهذا البحث موجود في موقعه على الشبكة العنكبوتية.

&