صفوق الشمري&& & &

رؤية 2030 هي حلم ومستقبل الوطن، وهي مبنية على الإبداع والتجديد وليس على الرجيع والتدوير، هي أهم مشروع وطني في تاريخ البلد الحديث

«الطرق القديمة لا تفتح أبوابا جديدة»
كثير من أفكار رؤية 2030 تدور حول فتح أبواب جديدة لم يتم استغلالها سابقا رغم الإمكانات المتاحة، وسبب هذا المقال هو خبران متضادان خلال الأسابيع الماضية، والأهم هناك ظاهرة خطيرة تقوم بها بعض الوزارات والقطاعات، قد تؤثر سلبا على تنفيذ رؤية 2030 ومستقبل الوطن، ألا وهي ظاهرة تدوير الوجوه الذابلة، وسأتحدث عنها لاحقا، ولكن دعونا نبدأ بالخبرين.
أحدهما، تغريدات عن مقال مختصر لأحد الأكاديميين يتحدث عن جامعة سعودية فيها بعض المناصب كأنها محجوزة، ويتم تدويرها لأفراد معينين، وكأن -ما فيه في هالبلد إلا هالولد- وهم ملتصقون بالمنصب لأكثر من عقد. صراحة، لم أصدق أن يحدث هذا في أي جامعة، فما بالكم بجامعة سعودية، لكن بعد السؤال والاستفسار من بعض الزملاء -للأسف- أكدوا الموضوع!.
المشكلة الأكبر أنه ليس هناك أي شيء غير تقليدي أو خارج عن العادة في هؤلاء الملتصقين والمدورين في المنصب، حتى مستوى الجامعة إن لم يكن أقل فهو متحجر في مكانه!.
في المقابل، الخبر الآخر المضاد له، والذي على الأقل لا يتناغم معه، هو ما ذكره الأستاذ محمد الصالح، الأمين العام للجنة المؤقتة لأعمال مجلس التعليم العالي، بأن مجلس الشورى ناقش الأسبوع الماضي نظام الجامعات الجديد!.
ومع كامل الاحترام للدكتور محمد الصالح، وهو شخصية محترمة ومتواضعة، واستشعرت أنه حريص على تقدم الجامعات خلال حديثه في إحدى المناسبات التي جمعتنا، لكني أختلف معه كليّا في الرأي في التبشير بالنظام الجديد للجامعات، والذي سيعطيها استقلالية أكثر!
ولي موقف معروف من استقلالية الجامعات، وكتبته سابقا في مقال «لا تعطوا الجامعات استقلاليتها»، ونعلم أن بعض الجامعات أصبحت عِزَبًا ومزارع خاصة لبعض المسؤولين ومن يعزّ عليهم، لكن لم أكن أتوقع أن تصل الأمور إلى ظاهرة الالتصاق والتدوير، عقد من الزمن، وصرنا نتكلم بعشرات السنين!، «يا زمن العجائب، وش بعد ما ظهر كل ما قلت هانت جد علم جديد»، لم يبق إلا فقط موضوع التوريث، بحيث أن مسؤول الجامعة يورث منصبه لولده وأحفاده!.&
وللأسف، البعض يحاول إقناعنا بموضوع مجلس أمناء الجامعات في نظام الجامعات الجديد، وأنه سيحل المشكلة، لكن أعتقد أنه سيوسع المشكلة، بل أتوقع أن يصبح الموضوع احتكاريا بين مسؤولي الجامعات ومجلس الأمناء، وشدّ لي وأقطع لك.&
لنعترف أنه كان لدينا تصور لاحتكار ومحسوبيات بعض الجامعات، لكن بعد أن سمعت من أعضاء تدريس الجامعات السعودية كثيرا من القصص، بدأنا نرى أن ما نعرفه هو مجرد قمة جبل الجليد الظاهرة، وما تحتها ومخفي هو أكبر بأضعاف.&
المشكلة أن النظام الجديد -كعادة كثير من قرارات بعض الجهات الحكومية- يلتصق بالرؤية.&
ودون زعل من الإخوة في التعليم، هذا النظام أبعد ما يكون عن الرؤية، ومع أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، لكن في العالم العربي قد يفسد الود ونصف!.
هذا نظام أخشى أن يتحول إلى احتكاري، ويطلق يد بعض مسؤولي الجامعات ليعيثوا في الجامعات، أما مجلس الأمناء فالأمثلة الموجودة في عالمنا العربي والمحلي غير مشجعة البتة، نحن تكلمنا في بداية المقال أن الطرق القديمة لا تفتح أبوابا جديدة، ومع هذا النظام ستغلق حتى الأبواب القديمة، سنصل إلى مرحلة تدهور تعليمي، إذا الآن بعض المبتعثين السعوديين الذين حصلوا على شهادات من جامعات ممتازة في الغرب، يعانون من قبول الجامعات وشروطها شبه التعجيزية، رغم وجود نقص في الجامعات السعودية في وظائف السعوديين، فما بالكم بعد أن تسلم وزارة التعليم الخيط والمخيط لمسؤولي الجامعات، لا أعتقد أنها فكرة سديدة التخلص من صداع الجامعات ومشكلاتها بوضع مزيد من الصلاحيات في يد مسؤوليها في الوقت الحالي، لقد قلتها عدة مرات -وأكررها حاليا- بعض الأنظمة الغربية لا تناسب بيئتنا، وليس كل شيء يصلح في الغرب يمكن أن ينجح لدينا.&
الغريب أن بعض مسؤولي الجامعات والتعليم يصدعون رأسك بآراء وحكم الكبير الراحل الدكتور غازي القصيبي في الإدارة، ولا يطبقون أي شيء منها، أين مقولته الشهيرة، رحمه الله، «محاولة تطبيق أفكار جديدة بواسطة رجال يعتنقون أفكار قديمة مضيعة للجهد والوقت».
أنا أعرف الوزير د. أحمد العيسى، رجل منطقي ومستمع جيد، وصاحب قرار متزن، لكن من باب الصراحة، نلاحظ أن بعض مسؤولي الجامعات الكبار حتى القدرة على إتمام حديث مفيد صعبة عليهم، لا أعلم كيف يتم الاتصال بين العقليات، لكن أقول الله يعين الوزير، وكي لا نخص فقط وزارة التعليم بالحديث، ولكن لأنها الوزارة الأهم بمستقبل الوطن ذكرناها أولا، لكن للأسف الظاهرة التي تكلمنا عنها في بداية المقال، وهي ظاهرة تدوير الوجوه الذابلة منتشرة في كثير من القطاعات والوزارات.


تستغرب وزارة -كالصحة مثلا- تعيين مسؤولين قدماء كانوا سبب تأخر الصحة في البلد في مناصب جديدة ومسميات جديدة، وكله يوضع تحت مظلة الرؤية التي هي أبعد ما تكون عن الفكر التقليدي أو البيروقراطية والبيروقراطيين، وهناك قطاع حكومي آخر يعيّن مسؤولا في منصب جديد، رغم أنه تبوأ لسنوات مشروعا حيويا للبلد، ولم يفعل شيئا يذكر، والأمثلة كثيرة وكلها تدوير للوجوه نفسها بمسميات جديدة، لكن ماذا كانت إنجازاتهم القديمة، لا أحد يعرف إلا أنهم أصبحوا وجوها مألوفة.
يا أعزائي، السعودية العظيمة أمة ولّادة، وولدت وستلد كثيرا من رجال الدولة المميزين، بدل تدوير الرجيع الذابل.
إن رؤية 2030 هي حلم ومستقبل الوطن، وهي مبنية على الإبداع والتجديد وليس على الرجيع والتدوير، هي أهم مشروع وطني في تاريخ البلد الحديث. أرجوكم لا تحاولوا إلصاق هذه التجارب بها، فهي أكبر من كل الأشخاص والمناصب، أبعدوا عنها الرجيع والمستهلك وأصحاب الأفكار القديمة، وانسوا قليلا موضوع الوجوه المألوفة، وتذكروا الطبيعة، والفيزياء، والتاريخ، يقول آينشتاين «من غير المعقول أن تفعل الشيء نفسه مرة بعد أخرى، وتتوقع نتائج مختلفة».
&

&