& صالح القلاب

&

عندما يقول الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) إن «القضية الفلسطينية تتعرض لمؤامرة غير مسبوقة» فإن هذا يعني أنَّ حدَّ السكين قد وصل إلى العَظْم، وأن التآمر على السلطة الوطنية وعلى «فتح» ومنظمة التحرير، الذي كان يتم في «الخفاء»! قد أصبح مكشوفاً وعلى رؤوس الأشهاد مع تورط بعض العرب وتسير خلفهم «حماس»، التي هي الأداة الفلسطينية لـ«الإخوان المسلمين» على مستوى «التنظيم العالمي» الذي بعد إخراجه من مصر بات يتمركز في تركيا بوجود فاعل وفي الدوحة، نعم في الدوحة، ويمارس هذا التآمر الذي تحدث عنه أبو مازن، وهذا لم يعد بحاجة لا إلى أدلة ولا إلى براهين.


وبدايةً فإنه لا بد من تأكيد أن هذا الاشتباك الأخير، الذي تم كتطوير لحادث عرضي، كان معروفاً أنه سيكون محدوداً وأن كل ما في الأمر أن كلا الطرفين؛ «حماس» والإسرائيليين، أراد تحسين موقفه التفاوضي في عملية إبرام اتفاق «التهدئة» الذي هناك قناعة بأنه سيكون المدخل لحل «صفقة القرن» المراد لها أن تقتصر الدولة الفلسطينية المنشودة على قطاع غزة وحده.
بقي أبو مازن بحكم عوامل وأسباب موضوعية كثيرة يتحاشى توجيه أي «عتبٍ»، وأي اتهام إلى الدوحة بسبب تدخلها وعلى أعلى المستويات في الشؤون الداخلية الفلسطينية وتبنيها كل ما قامت به حركة «حماس»، التي هي الذراع الفلسطينية لـ«الإخوان»، منذ انقلابها على اتفاق المصالحة مع حركة «فتح» ومنظمة التحرير الذي تم التوقيع عليه برعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، في عام 2007، وقيامها لاحقاً وفي ذلك العام نفسه بانقلابها الدموي الذي هو أسوأ ما شهده الشعب الفلسطيني منذ انطلاق ثورته المسلحة في عام 1965 وقبل ذلك.


ولعل ما جسّد تدخل «الدوحة» الشائن فعلاً في شؤون الفلسطينيين الداخلية تلك الزيارة الاستفزازية التي كان قد قام بها أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى قطاع غزة، والتي كانت زيارة دولة بكل معنى الكلمة والتي كرّست «القطاع» على أنه هو دولة فلسطين المنشودة، وأن «حماس» هي دولته الحقيقية والشرعية، وأنه لـ«تذهب منظمة التحرير إلى الجحيم» ومعها اتفاقيات أوسلو والقيادة الفلسطينية التاريخية الممثلة بهذه المنظمة المعترف بها ومنذ وقت مبكر بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
لقد كانت هذه الأمور كلها واضحة ومعروفة، ولكن ما جعل الفلسطينيين يكظمون غيظهم أنه كان هناك رهان، ثبت أنه خاطئ جداً، على أن «الإخوة» القطريين إنْ في عهد الأب وإنْ في عهد الابن سوف يعيدون النظر في مواقفهم تجاه القضية الفلسطينية وتجاه منظمة التحرير والسلطة الوطنية وحركة «فتح»، لكنّ هذا لم يحصل وللأسف، لا بل إن الأمور قد ازدادت خطورة عندما ثبت أن شيخ «الإخوان المسلمين» يوسف القرضاوي، هو صاحب القرار الفعلي في الإمارة القطرية وأنه هو مرجعية حركة «حماس» السياسية، وأن كل ما فعلته وما تفعله كان ولا يزال بقرار منه نيابةً عن القيادة الإخوانية العالمية.
وهنا، وكما قلنا مراراً في هذه الصحيفة الرائدة حقاً، أنَّ الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار)، رحمه الله، بقي يطارد «حماس»، منذ إنشائها من قِبل «الإخوان المسلمين» في عام 1987، من أجل إقناعها بالانضمام إلى منظمة التحرير التي هناك اعتراف عربي ودولي أيضاً بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، لكنه لم ينجح في كل محاولاته المتلاحقة هذه، والسبب أن قرار هذه الحركة ليس في يدها، لا سابقاً ولا لاحقاً ولا حتى الآن، وإنما في يد «التنظيم العالمي» لـ«الإخوان» الذي من المعروف أنه لم يعترف بهذه المنظمة الفلسطينية ولم يعترف بالثورة الفلسطينية التي كانت قد أطلقتها «فتح» في عام 1965.


وأذكر أن أبو عمار عندما التقى خالد مشعل، ومعه اثنان من حركته في منزل «الإخواني» السوري عدنان سعد الدين في العاصمة الأردنية، وكان من بين الحضور سفير فلسطين في عمان في ذلك الحين الطيب عبد الرحيم و«أنا»، قد عرض عليه ثُلث أعضاء المجلس الوطني إنْ هو التحق بمنظمة التحرير، وطلب منه أن يعود إلى مرجعيته لاتخاذ قرار بهذا الشأن، وهكذا وعندما استقلّ سيارته وقفل عائداً إلى مكان إقامته سألناه: «كيف تعطي هؤلاء كل هذا العدد في أهم محطة قيادية فلسطينية؟»... وكان جوابه رحمه الله: «كبِّروا عقلكم» والله لو أعطيناهم هذا المجلس كله فلما انضموا إلى هذه «المنظمة» لأنهم وُجِدوا أساساً كبديل لها ولأنهم سيبقون يناكفونها ويعملون ضدها حتى يتخلصوا منها.
وإزاء هذا فإن السؤال، الذي كان قد طُرح سابقاً ولاحقاً وحتى الآن هو: ما دامت هذه القناعة لا تزال هي قناعة القيادة الفلسطينية الحالية التي على رأسها الرئيس محمود عباس فلماذا يا ترى كل هذا الإصرار على «المصالحة» مع حركة «حماس»؟ ولماذا مسلسل المفاوضات العدمية هذه كلها إنْ في القاهرة وإنْ في أمكنة متعددة أخرى وإنْ أيضاً في قطاع غزة نفسه الذي تحول إلى الدولة الفلسطينية وبإسناد من قطر «الشقيقة» وبقرار من «الإخوان المسلمين» على مستوى التنظيم العالمي؟
والجواب... أي جواب القيادة الفلسطينية، هو إقناع الشعب الفلسطيني بأن هذه الحركة قد أُوجدت لتكون بديلاً لمنظمة التحرير وبديلاً لكل الأطر الشرعية الفلسطينية، وهو الاستجابة لمطلب الأشقاء المصريين بضرورة احتواء حركة «حماس» التي إنْ هي انفردت بحكم قطاع غزة وإقامة دولة لـ«الإخوان المسلمين» فيه فإن هذا «القطاع» سيتحول إلى قاعدة إرهابية كبيرة وسيصبح بمثابة «دُمَّلة» كبيرة تحت إبط الدولة المصرية!
والمعروف أنه ثبت وعلى نحو قاطع أن هذه الحركة قد ساندت «الإخوان المسلمين» المصريين بعد إسقاط نظامهم، الذي كان على رأسه محمد مرسي، في إنشاء قواعد إرهابية لهم في سيناء وبأسماء مختلفة ومتعددة، وأن مصر التي عانت كثيراً - وهي لا تزال تعاني ولكن على نحو أقل من هذه القواعد - قد سعت - وهي لا تزال تسعى - لاحتواء هذه الحركة من خلال المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية وإبعادها تدريجياًّ عن مرجعيتها الإخوانية وعن قطر وعن إيران التي غدت حليفاً داعماً لكل تنظيمات وقوى الإرهاب في الشرق الأوسط كله وفي العالم بأسره.


إن هذه هي الحقيقة، وإن ما يدل على أن حركة «حماس» بعدما حصلت على ملايين الدولارات القطرية عبر إسرائيل قد تحولت فعلاً، كما تقول القيادة الفلسطينية في رام الله، من «الانقسام» إلى «الانفصال»، أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد تحولاً خطيراً جداً بالنسبة إلى عملية السلام المتعثرة، وأن «صفقة القرن» التي كان قد أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب سوف تقتصر على قطاع غزة وحده، وأن هذا القطاع «الإخواني» سيتحول إلى بديل عن فلسطين وعن الدولة الفلسطينية المنشودة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وعليه فإن الوقفة الجادة للمملكة العربية السعودية ومصر والأردن من المفترض أن يقفها باقي العرب لإفشال هذا الدور الخطير الذي تقوم به قطر «الشقيقة»، التي لا بد من أنْ تدرك أن انتصار «الإخوان المسلمين» في هذه المواجهة الخطيرة فعلاً سيرتدّ أيضاً وبالاً عليها هي في النهاية، فهؤلاء لا يمكن الوثوق بهم على الإطلاق، فهم كانوا قد تحالفوا مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في البداية ثم ما لبثوا أن انقلبوا عليه وحاولوا اغتياله، وهذا هو ما حصل كذلك مع الرئيس أنور السادات، وهو ما كاد يحصل مع المملكة الأردنية الهاشمية بعدما أصبح محمد مرسي رئيساً إخوانياً لأرض الكنانة، وما حاولوا إحداثه في المملكة العربية السعودية وفي دولة الإمارات ومملكة البحرين وبالتعاون والتنسيق مع إيران ومع بعض دول هذه المنطقة التي تحولت إلى حاضنة إخوانية.


وهكذا، فإنه لا بد من إفشال مؤامرة تحويل قطاع غزة إلى دولة إخوانية تكون بديلاً لفلسطين وللدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة، وكذلك فإنه يجب إفشال «صفقة القرن» هذه التي بات واضحاً أن «حماس» غدت تسعى إليها فعلاً بدعم إسرائيلي و«قطري» وللأسف... وبالطبع بدعم الولايات المتحدة... وهنا فإن سكوت أي عربي عن هذا التحول الخطير فعلاً يعني أن هناك تورطاً كتورط «الإخوان المسلمين» في هذه المؤامرة القذرة.