&محمد صابرين

&«عندما تسير عبر العاصفة أبق رأسك مرفوعا .. ولا تخش الظلام. عند نهاية العاصفة توجد سماء ذهبية .. سر والأمل فى قلبك00لن تسير وحدك أبدا». هكذاغنى مشجعو ليفربول للفريق فى لحظات الانكسار، وهكذا سارت مصر وغالبية المصريين مع المؤسسة العسكرية، وهى تعبر بهم السنوات السبع الماضية، والآن لا يستطيع أى منصف إلا الإقرار بأن مصر قد ابتعدت عن حافة الهاوية. ومن قبل عن وسط العاصفة، وفى لحظات الخوف كان لدى المصرى إحساس يهدئ من روعه، ويسرى فى داخله شعور قوى يقول له لن تسير وحدك أبدا.وأغلب الظن أن الرئيس عبدالفتاح السيسى كان لديه اليقين نفسه بأن الغالبية ترغب فى أن تستعيد مصر عافيتها دولة مدنية قوية ومزدهرة اقتصاديا.وتثبت الأيام، والقرارات المؤلمة لروشتة الإصلاح الاقتصادى أن الرجل لا يسير وحده، كما أن القاهرة فضلت أن تبتعد عن طريق المغامرة، واختارت أن تنسج علاقاتها بالآخرين فى هدوء وعلى قاعدة من المصالح المشتركة، والكل رابح. ويبدو أن خريف الآخرين بالمنطقة يعمل لمصلحة مصر، وربما لا يعجب البعض تحفظ القاهرة، ولا عدم قيامها بحركات بهلوانية تعجب الجمهور، ولا تلجأ إلى تصريحات عنترية اعتاد العالم عليها مؤخرا، وعاشت عليها لسنوات طوال نظم عدة قبل أن تجيء لحظة الحقيقة، ويستيقظ الناس على الحقيقة العارية بطعمها المر، وبأحلامها المبعثرة على رمال الشرق الأوسط المتحركة. وهنا سوف نتوقف عند عدة مشاهد من خريف الغضب فى المنطقة، وكيف يعمق جراح البعض ويزيح الأقنعة عنهم، ويعمل دون قصد لمصلحة القاهرة ورؤيتها الواضحة, وندائها المتكرر بضرورة التضامن العربي، وحماية الدول الوطنية، والمؤسسة العسكرية العربية بوصفها الدرع الواقية ضد تقلبات الزمن وأجندات القوى المعادية.

&

&

&المشهد الأول نفى جان إيف لودريان وزير خارجية فرنسا الحصول على تسجيلات خاصة بمقتل جمال خاشقجي، كما زعم الرئيس التركى رجب طيب أردوغان مؤخرا، وعند سؤاله عما إذا كان أردوغان يكذب عبر تصريحاته الأخيرة أجاب لودريان: هذا يعنى أن أردوغان يقوم بلعبة سياسية معينة فى هذه الظروف. وهذه التصريحات الفرنسية الصادمة تعنى أن المجتمع الدولى لم يعد موافقا على لعبة أردوغان، ولم يعد يقبل بمنطق التسريبات، ويريد من تركيا أن تنهى الأمر وتضع جميع أوراقها على الطاولة. وفى المقابل فإن الرأى العام العربى بات يدرك لعبة أردوغان الباحث عن قيادة العالم الإسلامي. ويرى البعض أن أردوغان لم يختر الطريق الصحيح، فهو يريد القيادة من خلال إدلب وشرق الفرات، ومن أزمة القنصلية السعودية، وقضية خاشقجي، ولكن الرأى العام يريده أن يفعل ذلك من خلال تحرير المسجد الأقصي، وإقامة دولة فلسطينية، وفك الحصار عن غزة. فخيار استغلال الأزمات العربية، يدخله فى أزمة ومواجهة مباشرة مع العرب، أما المساعدة فى إقامة الدولة الفلسطينية وفك الحصار عن غزة، سوف يدخله التاريخ . ويبدو حتى اللحظة أن تركيا تعلمت درس المزايدة واستغلال أزمات وخلافات العالم العربى فقط!

..المشهد الثانى موجة أخرى من خريف الغضب تحاصر تركيا، فقد استبعدت ايطاليا تركيا ومُمَثِّلى فَصائِل طرابلس من المؤتمر حول ليبيا، وسرعان ما أعلنت أنقرة انسحابها من المؤتمر، معبرة عن خيبة أملها الشديدة بعد استبعادها من أهم جلسة. وقال نائب الرئيس التركي، فؤاد أقطاي، الذى كان يمثل بلاده: كل اجتماع يستثنى تركيا لا يمكن إلا أن تكون نتائجه عكسية لحل المشكلة. وكان لافتا تغييب أنقرة والاحتفاء بمصر والرئيس عبدالفتاح السيسي.ولم يطل الانتظار فقد أعربت الأطراف الليبية فى بيانها الختامى عن دعمها للحوار برعاية مصر لبناء مؤسسات عسكرية وأمنية فاعلة تحت الرقابة المدنية وطالبت بالإسراع بالعملية.

تَغييبُ تركيا ومُمثِّلى الجماعات الإسلاميّة ذاتُ الثُّقل العَسكريّ الكَبير فى غرب ليبيا وتحجيم قطر، ربما يَعنِى بداية تهميشها وشَطبِ أيّ دَورٍ لها فى أيِّ عمليّةٍ سياسيّةٍ مُستَقبليّة فى ليبيا، وهو تَهميشٌ خَطيرٌ، قد يُؤدِّى إلى صِداماتٍ عسكريّةٍ لاحِقًا، ورُبّما عَرقَلة الانتخابات التى جَرى التَّوافُق على إجرائِها فى الربيع المُقبِل بصُورةٍ أو بأُخرَي.ولعل خطورة هذه التَّفاهُمات التى جَرى التَّوصُّل إليها فى الاجتماع غير الرسميّ الذى انْعَقد فى باليرمو، وجَرى استبعاد مُمثِّلى إسلاميى طرابلس مَنه وداعِيمهم فى قطر وتركيا، رُبّما تُشَكِّل خريطةَ طريقٍ للتَّسويةِ السياسيّة المُرجَّحة، لأنّ المُشارِكين يُمَثِّلون دُوَلًا عُظْمَى إلى جانِب دُوَل الجِوار الرئيسيّة لليبيا، أى مِصر وتونس والجزائر، إلى جانِب الجِنرال خليفة حفتر المدعوم عَربيًّا مِن مصر والإمارات، ودَوليًّا مِن روسيا وفِرنسا وإيطاليا. ترى هل ذلك مؤشر على بداية تهميش مشروع الإسلام السياسى والقوى الداعمة له مثل قطر وتركيا، وماذا عن موقف بريطانيا والولايات المتحدة. هذه أسئلة مفتوحة ولكنها مشروعة تنتظر أن يبوح خريف نوفمبر ببعض أسراره, وان يكشف عن بعض التطورات فى ملفات عدة بمنطقة الشرق الأوسط. ويبقى أن خريف الغضب يحاصر تركيا، وباتت اللعبة الخطيرة التى لجأ لها أردوغان، والخاصة بورقة خاشقجي، مدعاة للضيق والتبرم من الجميع، ولم يعد المسلسل التركى يحظى إلا بالشك فى نوايا أردوغان. وفى الوقت نفسه تحاصر قطر، ولم تنفعها الجزيرة فى تأليب الرأى العام، فقد اعترفت السعودية بقتل خاشقجى، وبدأت التحقيق مع الجناة.ووسط هذا كله استهجن الناس الحادث، الا أنهم لم يتعاطفوا مع الجماعة المحظورة وجماعات الإرهاب الأخرى التى مازالت جرائمها حاضرة، ويشهد العالم سقوط رءوسها الكبيرة مثل عشماوى ورفاقه فى ليبيا. وأغلب الظن أن الرهان على تعويم تيارات الإسلام السياسى سيكون صعبا ربما لأن البعض زهق من سلوك أردوغان وانتهازية قطر وإرهاب هذه الجماعات الكاذبة دوما بشأن أيمانها بالسلمية والبعد عن العنف والتطرف. لقد جرب المصريون، والتوانسة يستيقظون يوميا على خداع النهضة والغنوشي!