&محمد سلمـاوى

&هو كتاب غاية فى الأهمية ذلك الذى أصدره المصرى المهاجر للسويد سامح إيجبتسون بعنوان: «الكذب الأبيض» الذى يبدو أنه طبعه على نفقته الخاصة بمطابع دار المعارف، ففيه يحلل المؤلف بدقة خطط التمكين الكبرى لتنظيم الإخوان من أجل الاستحواذ على المؤسسات الحاكمة فى المجتمعات الغربية سواء الرسمية منها أوالأهلية، وهى خطط تعتمد على الكذب والخداع والتحدث بأكثر من لسان، وقد اتخذ المؤلف من السويد التى يعيش فيها مثالا لبقية الدول الأوروبية.

&أما اسم الكتاب فهو مأخوذ عن فتوى للشيخ يوسف القرضاوى وردت بموقعه الشخصى على الإنترنت حلل الكذب فيها للمسلمين قائلا: «إن من خصائص الإسلام أنه يجمع بين المثالية والواقعية، فالإسلام هو منهج الله الذى يعلم من طبيعة الحياة، وضرورات الناس فيها، ما جعله يرخص بالكذب فى مواضع معينة، مراعاة لطبيعة البشر، وتقديرا لما ينزل بهم من ضرورة قاهرة أو حاجة ملحة»، وفى كتابه مقاصد الشريعة يوضح القرضاوى أن أفضل من طرح قضية الكذب وبحثها هو الإمام أبو حامد الغزالى فى موسوعته الإسلامية «إحياء علوم الدين»، حيث قال: اعلم أن الكذب ليس حراما لعينه، بل لما فيه من الضرر على المخاطب أو على غيره، فإن أقل درجاته أن يعتقد المخبر الشيء على خلاف ما هو عليه، فيكون جاهلا، ورب جهل فيه منفعة ومصلحة، فالكذب محصل لذلك الجهل، فيكون مأذونا فيه، وربما كان واجبا.

أما المبدأ الآخر الذى اعتمدت عليه استراتيجية الإخوان فى الغرب فهو التدرج، ويقول المؤلف إن الإمام حسن البنا كان أول من وضع تكتيك التدرج فى الوصول للهدف السياسى للحركة، ففى رسالته إلى الشباب يرى أن الهدف هو السيطرة على العالم وحكمه، وهو ما يسميه أستاذية العالم.

أما القرضاوى فيؤكد هو الآخر مراعاة التدرج اتباعا لمنهج التشريع الإسلامى التاريخى لرسالة الإسلام، وهو يقول: لا نعنى بالتدرج هنا مجرد التسويف وتأجيل التنفيذ، واتخاذ كلمة التدرج تكئة لتمويت فكرة المطالبة الملحة بإقامة حكم الله وتطبيق شرعه، بل نعنى بها تعيين الهدف، ووضع الخطة، وتحديد المراحل، بحيث تسلم كل مرحلة الى ما بعدها بالتخطيط والتنظيم والتصميم.

ولما كان هناك مخطط مركزى لتنظيم الإخوان تلتزم به كل فصائله فى جميع الدول فإننا نجد نفس المنطق يتردد فى أحاديث مختلف القيادات التنظيمية للإخوان، ويورد الكتاب حديثا لشكيب بن مخلوف رئيس المنظمات الإسلامية فى أوروبا فى جريدة «الشرق الأوسط» اللندنية يقول فيه: نحن لدينا برنامج عمل، ولدينا خطة عمل لمدة 20 سنة، خطة قريبة المدي، وخطة متوسطة المدي، وخطة بعيدة المدى، ويوضح: وجودنا فى أوروبا ليس عريقا، أعتبره منذ 50 سنة، ويجب على المسلمين عدم تعجل الخطوات، فالقفز من الدرجة الأولى إلى العاشرة فيه نوع من الصعوبة. نحن نبدأ من المستوى الميداني، ولو أخذنا السويد كمثال نجد الدولة تقدم مساعدات للمساجد، وتمول المدارس الإسلامية، وتعطيك الحق فى الوجود فى المجالس البلدية وفى البرلمانات، واليهود لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا عبر تاريخ طويل، وهم يقولون إنهم يغبطون المسلمين لأنهم استطاعوا أن يحققوا فى ظرف وجيز ما لم يحققوه هم فى 100 سنة.

ويتحدث الكتاب بشكل مفصل عن مراحل الاختراق الإخوانى للسويد والتى بدأت بالتحالف الانتخابى مع الحزب الاشتراكى الديمقراطي، ثم اختراق حزب الخضر وحزب المعتدلين الجدد وحزب الوسط، وذلك من خلال عدة تنظيمات إسلامية مثل الرابطة الإسلامية وجمعياتها المختلفة بالإضافة لحلفائها، وكذلك اتحاد الشباب المسلم فى السويد، ورابطة المدارس الإسلامية، وشركة الحج والعمرة، والكشافة الإسلامية السويدية، وجمعية المرأة المسلمة، واتحاد الطلبة المسلمين السويديين، وجمعية الهلال الجديد الثقافية، وجمعية قارئى القرآن، والمجلس الإسلامى السويدي، ورابطة الجمعيات الإسلامية فى السويد، واتحاد مسلمى السويد، ويربط المؤلف ببراعة بين كل هذه المنظمات وبين مختلف التنظيمات الإسلامية الدولية التى هى أذرع للتنظيم الدولى للإخوان، ومنها اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا، والمجلس الأوروبى للإفتاء والبحوث، ورابطة العالم الإسلامي، وحركة مللى جوروش، وبنك التقوي، ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، ومسجد ميونخ، ومعهد العلوم الإنسانية، واتحاد الشباب المسلم والمنظمات الطلابية المعروف باسم FEMYSO.

وهكذا تتضح مركزية العمل الإخوانى التى تتكامل فيما بينها عن طريق شبكة عنكبوتية هائلة تربط كل التنظيمات المحلية بالتنظيم الدولى تحقيقا لهدف واحد هو ما يعرف فى لغة الإخوان بالتمكين، وهنا يوضح المؤلف أن أحد أهم البحوث الفقهية فى موضوع التمكين قام به الكاتب الإسلامى والقيادى الليبى محمد الصلابى عضو المجلس الأوروبى للفتوى والبحوث، فى كتابه «تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين»، والذى يقول فيه: إن من أنواع التمكين وصول أهل التوحيد والايمان الصحيح إلى سدة الحكم وتوليهم مقاليد الدولة، وهلاك الكفار ونجاة المؤمنين ونصرهم فى المعارك والاستخلاف فى الأرض والتمكين لدين الله، ويرى الصلابى أن وسائل التمكين تكون بالمشاركة فى حكم بلاد غير المسلمين، أى أن يقوم أتباع الإخوان بالمشاركة فى الحكم مع غيرهم من أجل هزيمتهم فى النهاية والاستحواذ على الحكم، مستغلين بالطبع أدوات الديمقراطية حتى الوصول إلى سدة الحكم، ومن هنا تتضح عملية الخداع التى يقوم عليها فكر الإخوان وسياساتهم، والذى لم تدركه المجتمعات الغربية التى فتحت أبوابها لتلك التنظيمات التى تعمل فى الخفاء على القضاء على المجتمعات غير الإسلامية، لكن مثلما استفاد سامح ايجبتسون من معرفته بالمجتمع السويدى الذى هاجر إليه ومختلف مؤسساته، فقد استفاد أيضا من المعايشة الفعلية لأفكار الإخوان وأساليب عملهم والتى اكتسبها من بلد المنشأ التى عاش فيها أولى سنين عمره ولم يتركها الى السويد إلا وهو شاب يافع.