& أحمد أميري

&

التسامح الديني ليس أمراً طارئاً على المنطقة العربية، ولا أدلّ على هذه الحقيقة من هذا التنوّع الثري في العقائد الدينية والمذهبية في سائر أرجاء المنطقة، لكن قوى الظلام عكفت طوال القرن المنصرم على بذر التعصّب في الأرض العربية حتى كان الحصاد المرّ بظهور التنظيمات الإرهابية ذات الجذور الدينية.&


ولا غنى اليوم عن إحياء الأرض بالفكر المعتدل، ونشر مبادئ الأخوة الإنسانية، لتكون بمثابة رياح اللواقح، تنقل التسامح إلى القلوب فتزهر جمالاً وتثمر نفعاً. ولابدّ أيضاً من تهيئة هذه الأرض الطيبة من جديد، عبر إزالة النباتات الضارّة، وكشف الأكاذيب والمغالطات التي تمكّن المتأسلمون عبرها من فرض عقيدة التعصّب.&
ومن ذلك أنهم اعتبروا الآخر معادياً، لا مِن موقف اتخذه، بل مِن حيث أنه مختلف، رغم أنه ابن بيئة لم يخترها بنفسه، نشأ في إطار معين لم يكن مِن صُنع يديه، ولم يمتط خيل العناد، ولم يستلّ سيف الجحود، ولم يقارع الحقَّ بعد أنْ استيقنه قلبه. وإيهام المسلم بأن الآخر يعادي دين الله، يحوّله إلى متعصّب ضده تلقائياً، ويقطع طريق التواصل عليه.


ولو نظر الإنسان إلى نفسه سيكتشف أنه لم يختر والديه، ولا مدرسته، ولا تعليمه، ولا مجتمعه، ولا العقيدة الدينية السائدة فيها، وكل هذه العوامل هي التي أدّت به إلى أن يكون مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً أو بوذياً أو هندوسياً أو غير ذلك، وأن دوره في «اختيار» دينه لا يُذكر، حتى يمكن القول إن الدين يأتي مباشرة بعد العرق واللون من حيث فقد القدرة على اختياره.&
ولا يختلف رجل الدين في هذا عن الفرد العادي، فثمة اعتقاد رسّخته الإسلاموية فينا بأنّ الزعماء الروحانيين لبقية الأديان يعرفون ما نعتبره نحن أنه الحق لكن المصالح والأهواء تحول دون مصارحتهم أتباعهم بالحقيقة، وهذا اعتقاد لا أساس له، إذ حال هؤلاء الزعماء لا يختلف عن حال كثير من علماء المسلمين الذين لا يرون ثمة حاجة للتعرّف على الأديان الأخرى عن كثب.&
والتصوّرُ بأنّ غير المسلم لو اختلى بنفسه، وأخذ يحاكم عقيدته، فإنه سيخرج على الملأ من قومه معلناً إسلامه، ومندّداً باعتقاداتهم، تصوّرٌ يدمّر مَن يحمله، إذ يستحيل الآخر في نظره معانداً عن علم وإرادة، وأنه لا يريد حتى أن يجلس ليلة واحدة تحت ضوء القمر ليصل إلى الحقيقة!


وإذا جئنا إلى مَنْ يتخوّف من الإسلام، فهو على الأرجح يخشى ممن يعتقد أنهم يمثلون الإسلام، من مشايخ دين متطرفين، وجماعات إجرامية ترفع الرايات الدينية، بل ربما استقى معرفته بالإسلام من خلال الأقلية المسلمة في بلاده، حيث الكثير من الأقليات منعزلة تطغى عليها الأصوات المتشدّدة.
كما دأب الإسلامويون على الزعم بأنهم امتداد للمسلمين الأوائل، وأنّ كل الآخرين امتداد للكفار والمشركين، حتى صار بعضُنا يرى الُأممَ الأخرى التي تعيش في زماننا هذا في القارات الخمس، كأنهم القوم الذين صدّوا الناس عن الدعوة المحمدية، وأخرجوا المسلمين من ديارهم، وقاتلوهم في بدر وأحد والأحزاب.&
الآخر دينياً، وفي كلمة واحدة، مختلفٌ، وليس له أي وصف آخر.&

&