&وفاء صندى

&

فى الخطاب الأخير لذكرى المسيرة الخضراء، دعا العاهل المغربي، الملك محمد السادس، الجزائر إلى طيّ الخلافات مع المغرب، واعادة فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ عام 1994، عارضا قضايا الاستثمار وتعزيز التعاون الثنائى تجاه التحديات الإقليمية والدولية، مقترحا إنشاء آلية سياسية مشتركة للحوار، ومؤكدا انفتاح المغرب على المقترحات والمبادرات التى تتقدّم بها الجزائر، بهدف تجاوز الجمود المخيم على العلاقات بين البلدين. وتأتى هذه المبادرة بعد عقود من الصراع والتوتر بدأت غداة الاستقلال، بسبب عدم الاتفاق على ترسيم الحدود بين البلدين؛ حيث تطور الوضع الحدودى الى مواجهة مسلحة أواخر عام 1963 (حرب الرمال)، قبل أن يتأزم الوضع بعد قرار المغرب تنظيم مسيرة سلمية لمنطقة الصحراء لتحريرها من الاستعمار الاسبانى (المسيرة الخضراء 1975)، ومنذ ذلك الوقت اصبحت قضية الصحراء موضع خلاف رئيسى بين المغرب والجزائر الداعمة لجبهة البوليساريو الانفصالية. وبينما لا تزال قضية الصحراء المفتعلة تعالج داخل أروقة الأمم المتحدة، فإن العلاقات بين المغرب والجزائر ظلت طوال هذه السنوات تخيم عليها ضبابة سوداء، ملقية بظلالها على الأجواء بين البلدين اللذين طالما جمعهما تاريخ مشترك فى النضال ضد المستعمر، قبل أن يصبح التوتر المكتوم والمعلن، السمة الغالبة على العلاقات بينهما.

&وبعيدا عما تحمله مبادرة العاهل المغربى من حمولة سياسية، وبعيدا ايضا عما يمكن ان يقال عن توقيتها، او ربطها بالظرفية الراهنة التى يمر منها ملف الصحراء، غداة قرار مجلس الأمن رقم 2440، فى 31 اكتوبر الماضي، بتجديد ولاية بعثة المينورسو لستة أشهر فقط، وعشية انطلاق مفاوضات جنيف بين المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا، إلا أنها تبقى مبادرة طيبة، ويدا بيضاء ممدودة الى الجارة الجزائر من أجل المصارحة والحوار لتجاوز أخطاء الماضى وكبواته، والتفكير فى رهانات المستقبل، والذى لا مكان فيه إلا للكيانات القوية والاندماج الاقتصادى والتعاون المشترك من أجل مواجهة كل التحديات التى تهدد المنطقة وعلى رأسها الهجرة غير الشرعية، والتهريب والإرهاب الذى بات خطره يحدق بشكل كبير على المنطقة، خاصة بعدما حث تنظيم داعش عناصره الى الانتقال الى ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء. وقد أكد وزير الخارجية الجزائري، فى وقت سابق، التحديات والتهديدات التى تواجه دول المنطقة، فى ظل خطر عودة متوقعة لعدد من المقاتلين الأفارقة الى بلدانهم الاصلية أو الى الاراضى الأفريقية حيث يعملون على الاستقرار بها ومتابعة أهدافهم الإرهابية وعلى رأسها ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء. وهنا لابد من التساؤل حول كيفية تعامل دول المنطقة، وخاصة المغرب والجزائر، مع هذا الخطر الداهم، فى ظل عدم وجود تعاون معلوماتى وتنسيق أمنى بين الرباط والجزائر. وبالإضافة الى خطر الإرهاب، هناك الهجرة غير الشرعية القادمة من الدول الإفريقية باتجاه دول الشمال، وما تشكله من عبء على دول المنطقة التى بات لزاما عليها البحث عن طرق ناجعة ومناسبة لمواجهة هذا التهديد وتكثيف الجهود من أجل إحداث نقلة نوعية فى العمل التنسيقى والتشاركى والاندماجى المغاربي، ما يطرح أيضا فكرة توحيد استراتيجية أمنية بين دول المنطقة، والتى لا يمكن ان تتأتى إلا بتجاوز الخلافات السياسية وفتح صفحة جديدة تحقق المصالح المشتركة.&

أما على المستوى الاقتصادي، فقد مضى ما يزيد على ربع قرن على عقد قمة الاستراتيجية الكبرى للتنمية المغاربية المشتركة، التى عقدتها بلدان المغرب العربى سنة 1991. وقد أقرت القمة، وقتها، مجموعة من الأهداف المسطرة بغاية تحقيق الوحدة الاقتصادية المغاربية خلال سقف زمنى محدد. ومن بين تلك الأهداف ضمان حرية تنقل الأشخاص والسلع ورؤوس الأموال، ووضع خطط لتعزيز التبادل التجارى بين أعضاء الاتحاد، وكذا العمل معا على نهج سياسة اقتصادية مشتركة. ومنذ ذلك الوقت الى الآن لم يتحقق شيء من هذه الاهداف، بل وما زالت اقتصادات البلدان المغاربية الهشة تعمل بشكل انفرادى فى سياق عالمى يتجه نحو التكتلات الاقتصادية، بسبب الخلاف المغربى الجزائري. لقد أصبح ترميم العلاقات بين المغرب والجزائر ضرورة لا تحتمل التأجيل، لما سيطرحه التوافق بينهما، اذا تم، من نتائج إيجابية على شعوب المنطقة وأمنها واقتصادها، الذى طالما ضيع فرصا حقيقية للإقلاع، بسبب مواقف سياسية لا بد من تجاوزها فى سبيل تحقيق التكامل المرجو.

لقد عبر العاهل المغربي، فى خطوة جدية، عن الانفتاح على كل المبادرات الجزائرية دون شروط ودون استثناء. وبادرت أحزاب مغربية إلى إعلان نيتها القيام بزيارة إلى الجزائر للقاء الأحزاب هناك فى اتجاه توحيد الرؤى لرأب الصدع بين البلدين. وكل ما نتمناه أن تجد هذه المحاولات صدى لدى صناع القرار الجزائريين، كما أتمنى أن تغلب الحكمة فى استثمار العلاقات بين البلدين بدل الاستمرار فى إهدار الفرص.