& &عامر بن محمد الحسيني

&

تطورت القدرات البشرية في حل المشكلات، واتبعت المنهج العلمي، الذي يقضي على العشوائية والارتجال في صنع القرار، وظهرت مناهج علمية مساعدة على عمليات اتخاذ القرار، وترشيد صنعه، وإشراك العقول المختلفة لتحقيق المآرب العامة. المنهج العلمي للتفكير ساعد كثيرا على تقليل المخاطر المرتبطة بعمليات اتخاذ القرار، وأسهم في رسم الخطط الاستراتيجية للوصول إلى الأهداف المراد تحقيقها وقياس أثرها. بدأت مراكز الفكر أو مراكز البحوث والدراسات، التي أصبحت من أهم أدوات صنع القرار في العالم، في المساهمة في صياغة القرارات الاستراتيجية المتعلقة بالشؤون السياسية داخليا وخارجيا والشؤون الاقتصادية والاجتماعية، حتى أصبحت من أهم أدوات التقارب بين الشعوب، وكسر الجمود السياسي، والتحرر من القيود.
تُعرف مراكز الفكر بأنها تلك المجموعات أو المراكز المقامة لإجراء بحوث مركزة ومكثفة، وتقدم الحلول والمقترحات للمشاكل بصورة عامة، خاصة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية. وإن هذه المراكز تأخذ أكثر من شكل، فمنها المؤسسات الحكومية التي ترتبط بالأجهزة الحكومية مباشرة، وتقدم خدماتها في إطار عمل الجهاز الرسمي. ومنها الأجهزة شبه الحكومية Non-Governmental Organisation-NGO، التي تمول جزئيا أو كليا من قبل الحكومات، ومنها أيضا المؤسسات المستقلة غير الهادفة إلى تحقيق الربح Non-Profit Organisation - NPO.
تشير الدراسات إلى أن عدد مراكز الفكر في العالم يتجاوز 7500 مركز، تتوزع على خريطة العالم بين التصنيفات الثلاثة السابقة. الولايات المتحدة وحيدة في المقدمة بما يقارب 1900 مركز، تليها الصين بعدد يفوق 500 مركز، وبريطانيا بما يزيد على 400 مركز، وإسرائيل تضم ما يقارب 70 مركزا، وفي إيران كذلك. بدأت مراكز الدراسات والفكر عالميا منذ مطلع القرن الماضي، واستخدمت كأدوات مساندة للتأثير "والاستعمار" السياسي والفكري والاقتصادي، ثم تطورت لتسهم في صنع السياسات المحلية، وإعداد القيادات الفكرية والإدارية التي أصبحت أكثر قدرة على العمل من خلال التوجهات العامة. هذه المراكز تنفق عليها الحكومات مبالغ طائلة، وتدرج ضمن ميزانيات دعم البحث والتطوير R&D. كما أن عددا من هذه المراكز يقوم من خلال مؤسسات وقفية تساعدها على تحقيق الاستدامة للعمل، والاستقلالية في مخرجات الدراسات دون تحيز.
لا نزال في عالمنا العربي شبه غائبين عن وجود مُعتبَر لمثل هذه المراكز الفكرية، كما أننا في أمس الحاجة إليها، ولا سيما في بلدنا، وهو يرود مسارات تنموية نوعية بـ "رؤية 2030"، التي يجب أن تضمها مؤسسة عليا للبحوث والدراسات تساعد على تأسيس هذه المراكز، وتقدم لها الدعم اللوجستي لتحقيق أهدافها، بعيدا عن الفردية في العمل، أو الجمع بين ما لا يجمع، حتى نحقق المكاسب الوطنية من هذه المراكز للأجيال الحاضرة والمقبلة.

&