&عبدالله بن بجاد العتيبي

&لولا أن مفهوم «الثورة» مفهوم فيه شيء من السلبية لكان بالإمكان القول بأن ما يجري في الإمارات والسعودية ثورة تنموية جديدة لا في الدول العربية فحسب بل في المنطقة بأسرها، وهو كغيره من المفاهيم قد مرّ بمراحل من التطور صعوداً ونزولاً، ولكنه في منطقة الشرق الأوسط تحديداً قد تمّ التعامل معه كغطاء لانقلابات عسكريةٍ في مرحلةٍ تاريخية معينةٍ وكغطاءٍ لانقلاباتٍ أصولية إرهابية كما جرى في انتفاضات 2011 التي كانت تعرّف زوراً ب«الربيع العربي». دول مجلس التعاون الخليجي التي اجتمعت بالأمس في الرياض تمثل مجلساً حقق نجاحاتٍ لا بأس بها في الماضي، ولكنه بدأ في الانقسام بعد الانقلاب القطري الذي قاده حمد بن خليفة ضد والده في منتصف التسعينيات حتى وصل اليوم -من دون إحراقٍ للمراحل-إلى ثلاث توجهات رئيسة، التوجه القطري المتحالف مع إيران، والداعم الأكبر للأصولية والتطرف والإرهاب في العالم، والتوجه السعودي الإماراتي البحريني الذي يقود مع مصر مشروع الإنقاذ والاعتدال العربي، والتوجه الحيادي الذي يمكن فهم مبرراته.


ضمن قراءة تاريخية هادئة فالمحايدون في الغالب ينتظرون المنتصر في أي صراعٍ أو نزاعٍ ليركبوا في سفينة نجاته، وهذا طبيعي ومفهوم، ولكن أصحاب المشاريع الفاعلة يسعون للانتصار ولإثبات نجاح الرؤية والهدف والغاية وبراعة استخدام الوسائل والأدوات، ويطورون القدرة على الفهم والوعي لرسم التوازن بين الممكن الذي يجب تحقيقه والمستحيل الذي يستحق التجربة والمحاولة على الدوام. في مثال واحدٍ فقط يتعلق بالفضاء، أطلقت السعودية أقماراً صناعية على مدى يقارب عقداً من الزمان، كان آخرها القمرين السعوديين اللذين تم إطلاقهما الأسبوع الماضي، وهو ذات الطريق الذي فعلته الإمارات من قبل ومن بعد، ففي اللحظة التي وصل فيها العالم إلى صراعٍ فضائي كبير، هو أحد فروع الخلاف الصيني الأميركي اليوم، نجد حضوراً إماراتياً وسعودياً على الدخول في هذه الصناعات وتوطينها ودعمها.
إنها لحظة فارقةٌ، توضح الفارق بين من يستعين بالعلم والتقنية والحداثة والفردانية لصنع المستقبل وتحدي المستحيل وتنمية البلدان وبناء الإنسان وبين مشاريع معادية تدعم التخلّف والتقهقر وتنشد الماضي وتهدف للتخريب والتدمير، ويتم ذلك عبر صراعاتٍ متعددة وخلافات مستمرةٍ ومشاريع متناقضة عبر كافة المجالات.
مخترعات العلم والرهان عليها غيّرت وجه التاريخ، وهي ستستمر في ذات الفعل ما دار الزمان وتعاقب الليل والنهار، فحين اختُرعت «البوصلة» عرف الإنسان مساره في محيطات العالم وكانت تلك تجربة ونقلة كبرى في التاريخ البشري، وحين اخترع «البارود» انقلبت موازنات وانتصرت أممٌ، وحين تمّت صناعة «المطبعة» كان للإنسان مستوى آخر من التفكير ونشره، إن خيراً وإن شراً.


مهمٌ أن يعرف الناس عبر نماذج معينةٍ من يتجه للمستقبل ومن يتجه للماضي، من يريد الرفعة والتنافس والبناء والتنمية، ومن يريد الارتكاس للماضي وإن دمّر الإنسان والأمم والدول، وهو أمرٌ يحدث بالتراكم واتضاح المنجزات والنتائج والأثر.
في القمة الخليجية التي انعقدت بالأمس، ثمة رسالة تؤكد على حرص دول مجلس التعاون الخليجي على تثبيت دعائمه وتعزيز دوره والانطلاق به لمجالات أرحب وتفعيل آليات التعاون لتصل إلى مستويات غير مسبوقةٍ، وإن على شكل ثنائي، كما هو النموذج الاستثنائي المتطور في العلاقات السعودية الإماراتية، وتبقى العقدة الوحيدة في منظومة المجلس هي دولة قطر التي تتبع سياساتٍ معاديةٍ لكل دول المجلس وإن في فتراتٍ متباعدةٍ على مدى أكثر من عشرين عاماً.
أخيراً، فقطر التي انسحبت من منظومة «أوبك» ربما يجب عليها التفكير إما بالعودة لسرب المجلس وإما بالانسحاب منه ما دامت تناقض كل سياساته وأهدافه وتسعى لتخريبه.

&

&