&&علي البغلي&&

&العاشر من ديسمبر الذي مر علينا منذ أيام هو يوم إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قبل 70 عاماً، وانضمام دول العالم تباعاً، وإقرارها بهذا الإعلان وتضمينه دساتيرها وقوانينها، كما فعلت الكويت منذ عام 56 بإصدار الدستور وتضمين بعض مواد الدستور لما حواه هذا الإعلان، مثل المادة 29 من الدستور التي تنص على أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين».. وقد وردت عبارة أو «اللون أو الثروة» في الإعلان العالمي، ولكنها لم توضع في الدستور الكويتي، وذلك لأن شبهة التفريق العنصري لا وجود لها في البلاد، فضلاً عن كفاية نص المادة في دفع هذه الشبهة، كما أن التفريق بين الناس بسبب الثروة أمر منتف بذاته في المجتمع الكويتي، وبالتالي لا حاجة للنص على نفيه بحكم خاص. هذا ما ذكرته المذكرة التفسيرية عن تلك المادة التي تكتب بماء من ذهب، والتي استقاها الدستور الكويتي من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان..

* * *
ومواضيع حقوق الإنسان واحترام مبادئها قولاً وفعلاً أمر لم يعد اختيارياً تأخذ به الدول أو لا تأخذ، ليصبح أمراً وجوبياً بفعل المعاهدات المتعلّقة بمواضيع حقوق الإنسان التي تنضم إليها الدول، والكويت منضمة إلى ما يجاوز 11 اتفاقية منها، وأوضحها إعلان باريس الذي نصّ على وجوب إنشاء هيئات مستقلة لمراقبة مدى احترام الدول والشعوب لحقوق الإنسان، لتنشئ الحكومة الكويتية أخيراً «الديوان الوطني لحقوق الإنسان»، وهو ليس هيئة حكومية، بل هيئة مستقلة تماماً عن الحكومة، أوجبت إنشاءها المعاهدات والتعهدات الدولية التي وقّعتها الكويت.
* * *
وللتدليل على مدى الاحترام الواجب لهذه المبادئ، سأسوق لكم خبراً عن زيارة الرئيس الألماني فرانك – فالترشتاينماير للصين، الدولة العظمى عسكرياً واقتصادياً وبشرياً.. الرئيس الألماني أكد أهمية حماية حقوق الإنسان والالتزام بقواعد الأمم المتحدة كأساس للنظام العالمي.. شتاينماير قال في كلمة ألقاها في إحدى الجامعات الصينية وأمام طلبة الجامعة ومسؤوليها «إن إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قبل 70 عاماً كان حدثاً سعيداً في التاريخ».. في إشارة الى التاريخ الألماني الذي اتسم بافتقاره الحرية والقمع على مدى سنوات كثيرة.. واستطرد شتاينماير في القول «هذا جعلنا حساسين ومنتبهين على نحو خاص لما يحدث للذين لا يتبنون الآراء السائدة، أو الذين ينتمون الى أقلية عرقية، أو الذين يريدون ممارسة عقائدهم الخاصة»، ودعا شتاينماير في كلمة إلى تعزيز التعاون الألماني – الصيني للدفاع عن النظام الدولي، وعلى رأسه المبادئ التي وردت بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان..
وهكذا نرى أن مبادئ حقوق الإنسان أصبحت تخترق الحدود، ولا يمكن أن تتمترس دولة أو سلطة تنتهك فيها تلك المبادئ بالسيادة الإقليمية وعدم التدخل بشؤونها الداخلية.. إلخ. فهذه المواضيع والمبادئ السامية لم تعد من المواضيع الترفيهية التي تناقشها النخب في الغرف المخملية، بل أصبحت مبادئ تكاد تنبت لها أنياب ومخالب تدافع بها عن الإنسان وحقوقه!
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

&