&عقل العقل&

يمر وطننا بمرحلة جديدة تعيد بناءه؛ لتتعاطى مع المتغيرات السياسية العالمية وتتواكب معها، فالمملكة تحتل مكانة مرموقة من بين دول العالم ولها دور رئيس في مختلف المحافل الدولية، ومع ذلك، فهناك جهات تسعى إلى تشويه سمعتها، فأخبارها في الإعلام العربي والدولي تقدم بأشكال متعددة وليست كلها إيجابية؛ ما يتطلب منا تضافر الجهود والتصدي لمثل تلك الحملات المغرضة، ومما يؤسف له أن نجد من بين الذين يديرون دفة تلك الحملات ضدنا ويتصدرونها بعض المثقفين والكتاب العرب الذين عاشوا في بلادنا لسنوات طويلة. إذن، من حقنا أن نتساءل: أين موقع الخلل في ذلك؟ وما المطلوب من الملحقيات الثقافية القيام به لتصحيح الصورة النمطية عن مجتمعنا وبلادنا؟

في هذا الأسبوع غرد الدكتور سعد البازعي، وهو أحد الرموز الثقافية في البلد والمشتغلين في الثقافة والترجمة، تغريدات حول هذا الموضوع، وتساءل في الأولى عن أكثر الملحقيات الثقافية السعودية فاعلية وحضوراً في النشاط الثقافي، فبدأ كثير من المغردين بترجيح ملحقية على أخرى من حيث نشاطها وفاعليتها الثقافية، وأشار معظمهم إلى فاعلية الملحقية الثقافية السعودية في الإمارات ودورها النشط في السنوات الأخيرة، وهذا الأمر طيب ولكن أتساءل: لِمَ اُختزل العمل الثقافي النشط في الملحقيات السعودية العاملة في منطقة الخليج أو في الدول العربية، وأين دورها في بقية دول العالم؟ إنني أذكر قبل عقد من الزمان أن الملحقية الثقافية في بريطانيا كان لها نشاط ثقافي ملحوظ وملموس؛ إذ كانت تقيم أمسيات ثقافية متعددة، ولازالت تصدر مجلة ثقافية متميزة إلى يومنا هذا، ولا أنسى الدور الكبير والبارز للمرحوم سفيرنا في لندن في تلك الفترة الدكتور غازي القصبي الذي كان يمثل وزارة للقوة الناعمة هناك، ولا يتردد في دعم الملحقيات السعودية ماديّاً ومعنويّاً.

كذلك لا أنس النشاط البارز والمبهر للملحقية الثقافية في المغرب عندما كان يرأسها الدكتور ناصر البراق، فلا يمر أسبوع إلا ونقرأ أو نسمع عن وفود ثقافية سعودية مغادرة إلى المغرب للمشاركة في فعاليات ثقافية تحت إشراف الملحقية هناك، وأذكر أنني التقيت في إحدى دورات المهرجان الوطني للثقافة بعدد من المثقفين والإعلاميين المغاربة، وكلهم يثنون على الملحقية الثقافية السعودية في بلادهم، ويشيدون بعملها، خاصة الدور الذي يقوم به الملحق الثقافي الدكتور ناصر البراق وحرصه الدائم على عقد الندوات المتعاقبة وإقامة الصالون الثقافي الشهري، وهذا لا يستبعد؛ فقبل ملحقية المغرب كان للدكتور البراق نشاط ثقافي لافت في السودان إبّان عمله ملحقاً ثقافياً في الخرطوم.



وعلى رغم أن المهام الرسمية الملحقيات الثقافية تكمن في متابعة العملية التعليمية للطلبة السعوديين، وتبني كل ما له علاقة بالمبتعثين في تلك الدول، وأن النشاط الثقافي والاهتمام به يأتي من طبيعة شخصية الملحق الثقافي من حيث الاهتمام والميول، فليس لغالبية الملحقين الثقافيين علاقة بالشأن الثقافي، فبعضهم مجرد موظفين يكتفون بأداء مهام محددة تتمثل في خدمة الطلبة، وهذا الازدواج في المهام قد يؤدي إلى تقليص دور الملحقيات الثقافية، وتضييق أفقها؛ لذا لا بد من فصل الملحقيات التعليمية عن المراكز الثقافية والإعلامية، فما له علاقة بالإعلام يتبع وزارة الاعلام، وما له علاقة بالثقافة يلحق بوزارة الثقافة، وما له علاقة بالتعليم يلحق بوزارة التعليم، وهكذا فلا تظل مهام المكاتب السعودية في الخارج متداخلة الصلاحيات في الوقت الذي يتطلع فيه المثقف السعودي إلى وزارة الثقافة أملا في تقديمها الثقافة السعودية والمثقف السعودي إلى العالم على النحو الأنسب، وهذا لا يعني عدم الاستفادة من آلاف الطلبة المبتعثين إلى الخارج؛ للدفاع عن وطننا الغالي، والاسهام في تقديم المنتج الثقافي العالمي تقديما لائقا يخدم مصالحنا ومصالح الدول الأخرى.