&وليد خدوري&&

اتفقت «منظمة البلدان المصدرة للبترول» (أوبك) وحلفائها من الدول المنتجة غير الأعضاء على تقليص إنتاج النفط 1.2 مليون برميل يومياً ابتداء عام 2019. وسيبدأ التخفيض تدريجياً لمدة ستة أشهر على أساس اعتماد معدل انتاج تشرين الأول (أكتوبر) الماضي خط الأساس للتخفيظ. ويُفروض أن يخفض أعضاء المنظمة في البداية الإنتاج 500 ألف برميل يومياً والحلفاء 400 ألفاً، ليصل التخفيض إلى المستوى المتفق عليه في حزيران (يونيو) المقبل. ثم ستخفض أقطار المنظمة الـ14 معدل 800 ألف برميل يومياً والحلفاء 400 ألفاً. وستتم مراجعة القرار في نيسان (أبريل) المقبل.


ويشكل خفض 1.2 مليون برميل يومياً نحو 1 في من إجمالي الإنتاج العالمي البالغ نحو 99 مليون برميل يومياً، والهدف وضع حد لإنخفاض الأسعار التي تدهورت من 86 دولاراً منتصف تشرين الأول الماضي إلى أقل من 60 دولاراً. وتهدف السعودية وروسيا من خلال الاتفاق إلى تحقيق الاستقرار في الأسواق.

وواجهت المنظمة وحلفائها صعوبات للتوصل الى الاتفاق، إذ كانت هناك تساؤلات حول مدى استعداد روسيا لخفض الإنتاج بما يلزم، خصوصاً في ظل طلب الشركات الروسية عدم الخفض الكبير فوراً، بل تأجيله وجعله تدريجياً. واتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان في اجتماع ثنائي على هامش قمة العشرين في الأرجنتين قبل اجتماع «أوبك».

وأثيرت الشكوك حول موافقة ايران على خفض الإنتاج في ظل الحصار الأميركي الذي أدى إلى انخفاض صادراتها، وتم التوصل الى حل وسط بإعفاء 3 دول من الخفض، وهي إيران وليبيا وفنزويلا.

وترددت بعض الدول التي هي بصدد زيادة طاقتها الإنتاجية والانتهاء من تطوير حقول جديدة، منها العراق، في خفض إنتاجها أو تبني سياسة الحفاظ على طاقة إنتاجية فائضة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية السائدة. وتأخر العراق في تطوير طاقته الإنتاجية الكامنة، لكن المحادثات خلال الأسابيع الماضية مع بغداد نجحت في تليين موقفها لكي تولي اهتماماً أكبر للحصول على ريع نفطي أعلى من خلال اتفاق تخفيض الإنتاج، ما سيؤدي الى وقف انهيار الأسعار.

وقال وزير النفط العراقي ثامر الغضبان، ثاني أكبر منتج في «أوبك»، إن «الحلول لأسعار النفط المنخفضة ينبغي ألا تقتصر على خفض الإنتاج .» وأضاف: «أي اتفاق خلال الاجتماع ينبغي تفادي الأضرار بمصالح أوبك والمنتجين غير الأعضاء فيها». وبلغ اجمالي صادرات العراق النفطية 3.372 مليون برميل يومياً في تشرين الثاني، 3.363 مليون منها من الجنوب.

والارتفاع السريع في الأسعار كان مرده التهديد الأميركي بحصار النفط الإيراني، وأدى إلى زيادة الإنتاج وحصول تخمة في الأسواق، فارتفع الإنتاج الأميركي في تشرين الثاني إلى مستوى قياسي بلغ 11.5 مليون برميل يومياً. وسجلت مخزونات النفط الأميركي أعلى مستوياتها في سنة، وتخوفت الأسواق على ضوء الاستثناءات من مسلسل مشابه لما حصل عام 2014 عند انهيار الأسعار إلى أقل من 30 دولاراً. ثم استنفرت «أوبك» جهودها لخفض الإنتاج على رغم المصاعب المتوقعة لهذا القرار، فبدأت مساعي الرياض بالتعاون مع موسكو لتأمين هذا الهدف قبل اجتماع «أوبك».

وأدى قرار انسحاب قطر من «ّأوبك» إلى زيادة التكهنات حول الصعوبات التي ستواجهها المنظمة في اجتماعها، على رغم أن الاكوادور والغابون، وهما دولتان ذات طاقة إنتاجية أقل من مليون برميل يومياً، كانا انسحبا سابقاً من المنظمة ثم انضما لاحقاً. ولكن الفارق مع الدوحة أن لديها إحد أكبر الطاقات الإنتاجية في العالم لتصنيع الغاز المسال، كما أنها اول دولة عربية وخليجية تنسحب من المنظمة. ولكن في خضم نزاع مع الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة، دفعت هذه العوامل المراقبين إلى إضافة الانسحاب القطري الى الخلافات داخل المنظمة. ولكن الدوحة تبنت موقفاً رسمياً مغايراً، إذ عزت الانسحاب إلى محاولتها التركيز على صناعة الغاز المسال، بما ان الطاقة الإنتاجية للنفط الخام القطري لا تتجاوز مليون برميل يومياً، ما يعني أن دورها في المنظمة محدوداً.

ويكمن سبب نجاح «أوبك» خلال هذه المرحلة الى تغير طريقة عملها، فالاتفاق النفطي الاستراتيجي الذي وقعته السعودية وروسيا على هامش قمة العشرين في الصين في أيلول 2006، والذي نجح حتى الآن وبشكل غير مسبوق في خلق جو من المحادثات والتعاون المستمر بين السلطات البترولية الروسية والسعودية، وخلق أسس وثيقة ما بين القيادات العليا في الدولتين في المجال النفطي، إضافة الى ثقة الدولتين بالتزام الدولة الأخرى بتنفيذ الاتفاقات بينهما. وغيرت هذه العلاقة الجيوسياسة الصناعة النفطية العالمية، ولكن لا يزال ينقصها تأطير علاقة روسيا مع «أوبك». كان من المتوقع التوصل إلى تفاهم حول هذا الأمر خلال الاجتماع الوزاري الأخير، لكن تأجيل الموضوع يعكس وجود بعض الأمور العالقة التي يجب معالجتها قبل التوصل إلى اتفاق لتأطير العلاقات. وذلك سيعطي «أوبك» زخماً جديداً عالمياً، ليس فقط للدعم والنفوذ الذي ستحصل عليه من دولة كبرى، بل أيضاً للتعاون بين دولتين نفطيتين عملاقتين.