&هشام محمود&

باتت الثروات العالمية التي حققت قفزة هائلة خلال السنوات الماضية، مهددة بالتراجع خلال العام المقبل، وتحديدا خلال الربع الأول من 2019 وذلك على وقع توقعات تترى بتباطؤ وتيرة النمو العالمي وحروب تجارية تتلظى وتفاقم حالات الإفلاس بين الشركات.
ويقول لـ "الاقتصادية"، لينكر جونثون المحلل المالي في بورصة لندن، إن تلك المكاسب والثروات التي تحققت قد تتراجع نهاية هذا العام، أو في الربع الأول من العام المقبل نتيجة الانعكاسات السلبية الناجمة عن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وانعكاساتها على تنامي حالات الإفلاس بين الشركات الصغيرة والمتوسطة، بما قد يدفع بعديد من صغار المستثمرين إلى بيع جزء ملموس من أصولهم، ومن ثم تراجع القيمة الإجمالية للثروة في الصين والولايات المتحدة والعالم أجمع.


وربما تتعزز تلك المخاوف بارتفاع ديون الأسر في الولايات المتحدة من 2.9 في المائة في الربع الثاني من العام إلى 3.4 في الربع الثالث من عام 2018، على الرغم من ارتفاع قيمة أسهم الشركات التي تحتفظ بها الأسر بمقدار 1.2 تريليون دولار، ونمو قيمة العقارات بنحو 245 مليار دولار.
ويشير جونثون إلى أن "زيادة القيمة الإجمالية للثروة العالمية، خاصة تنامي مساهمة الولايات المتحدة والصين، تعود في الأساس إلى النمو المتواصل في قطاعي الأسهم والعقارات، كما أن برنامج الإصلاح الضريبي في الولايات المتحدة عزز أيضا من مكاسب الأسر الأمريكية".
وتفيد الأرقام المتاحة عن الثروة العالمية إلى أن زيادة الثروة الكونية ظاهرة دولية ولا تعد حكرا على اقتصاد بعينه، فقد بلغت قيمة الثروة العالمية في الوقت الحالي 317 تريليون دولار، أي ما يوازي 18 مرة ضعف الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وتحتل الأسر الأمريكية المرتبة الأولى بين الأمم، وتمتلك الثروة الأكبر بين شعوب الأرض قاطبة.
وكالاقتصاد العالمي تماما تعد الولايات المتحدة والصين الدولتين المسؤولتين عن النمو الراهن والمستقبلي للثروة العالمية بحكم موقعهما الاقتصادي في العالم.


وخلال ثلاثة أشهر فقط، وتحديدا منذ الأول من حزيران (يونيو) الماضي إلى نهاية أيلول (سبتمبر)، أضافت الأسر الأمريكية إلى ثرواتها ما قيمته 1.2 تريليون دولار، ليبلغ إجمالي ثروة الأسر في الولايات المتحدة 109 تريليونات دولار.
وإذا كانت تلك الثروات المتنامية تعكس القوة الاقتصادية المتزايدة للولايات المتحدة، فإنها تعكس أيضا تحسنا في مستوى الأداء الاقتصادي، سواء لانخفاض معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، إذ باتت سوق العمل الأمريكية قريبة من وضع التوظيف الكامل في ظل معدل بطالة يقترب من أدنى مستوى في 49 عاما عند 3.7 في المائة، أو لارتفاع الأسهم في البورصات الأمريكية إلى مستويات قياسية، ما دعم الإنفاق الاستهلاكي، قبل الانكماش، الذي حدث أخيرا في الأسواق.
وقال مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) إن قيمة حيازات الأسر من أسهم الشركات زادت بمقدار 800 مليار دولار على مدار الربع الثاني، في حين ارتفعت قيمة العقارات بمقدار 600 مليار دولار.
الدكتور جراي أجنيو أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعة لندن، يعد أن ظاهرة تنامي الثروة عالميا أو في الولايات المتحدة، ظاهرة إيجابية يجب أن تعمل السياسات الاقتصادية على تعزيزها، لكنه يشير إلى أن هذا النمو لا يجب أن يجعلنا نغفل عن الجوانب السلبية التي صاحبته.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "معدل الزيادة في الثروة الكونية في عام 2018 مقارنة بعام 2017 يقدر بنحو 4.6 في المائة، وأن الزيادة في الثروة العالمية فاق النمو السكاني، وهذا يعني تحسن الوضع العام لسكان العالم، وفي الحقيقة نمت ثروة كل شخص من سكان الكرة الأرضية بنسبة 3.2 في المائة".
ويشير أجنيو إلى أن "هناك تحسنا ملحوظا في نصيب المرأة من تلك الثروة، سواء من حيث القيمة النسبية أو المطلقة، مقارنة بما يمتلكه الرجال، والنساء الآن يمتلكون 40 في المائة من إجمالي الثروة العالمية".
لكن زيادة الثروة على مستوى العالم ارتبط بتفاقم حالة من عدم المساواة في التوزيع، بحيث بات غياب العدالة في التوزيع ظاهرة عالمية.
ولن يحول ذلك الوضع السلبي، وفقا لتقديرات بنك "كريدي سويس" السويسري بهذا الشأن، من تنامي ثروة العالم خلال السنوات الخمس المقبلة بنحو 26 في المائة لتصل إلى 399 تريليون دولار، وستكون الاقتصادات الناشئة مسؤولة عن نحو ثلث هذا النمو، بزيادة تقدر بنحو 21 في المائة من ثروتها الحالية.


ويعتقد عدد كبير من الاقتصاديين المحافظين، أن الأمر أكثر تعقيدا من مجرد تحسن مستويات أسعار الأسهم والعقارات في الولايات المتحدة، وإذا كانت زيادة ثروة الأسر الصينية يعود إلى هذين العاملين، فإن الأمر يختلف بالنسبة لاقتصاد الولايات المتحدة.
كاري ديفيد الباحثة الاقتصادية من حزب استقلال بريطانيا، تعتقد أن "النظام الصيني يهتم في الأساس بزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة ثروات الأسر يأتي مترافقا مع تلك الزيادة، ومن ثم فنمو ثروة الأفراد يعد نتيجة للسياسات الاقتصادية وليس هدفها.. وفي الولايات المتحدة والأنظمة الرأسمالية الحرة، فإن زيادة ثروات الأفراد هدف في حد ذاته، وليس نتيجة لهدف آخر، ولهذا نجد أن أمريكا الشمالية وتحديدا الولايات المتحدة، كانت المنطقة الوحيدة في العالم التي لم تشهد انخفاضا سنويا في الثروة، كما أنها الدولة الوحيدة التي تفوقت باستمرار على معدل النمو العالمي للثروة، أما بالنسبة للصين فقد كان الأداء أقل من المستوى في ثلاث سنوات من سبعة، أما في إفريقيا وأمريكا الجنوبية فقد كانتا أسوأ من الصين".
وبطبيعة الحال، تجد تلك الرؤية انتقادات حادة من قبل أكاديميين يساريين من بينهم الدكتور لندل جيمس أستاذ النظرية الاقتصادية في جامعة بروملي، ويقول لـ"الاقتصادية"، إن "وجهة النظر تلك تغفل عديدا من العوامل التي تمكن واشنطن من زيادة ثروتها على حساب الآخرين، في مقدمتها بالطبع الدولار، وما يتمتع به من قوة في التجارة الدولية، وفي الاحتياطات المالية في البنوك المركزية، ما يمنح الإدارة الأمريكية القدرة على زيادة الثروة الشخصية لشعبها، ونلاحظ الآن تنامي النزعة الانعزالية لدى إدارة ترمب، وقناعتها بأن فوزها وزيادة ثروة الأسر الأمريكية، يتطلب إفقار الآخرين، وهذا اتجاه شديد الخطورة على الاقتصاد الدولي".


إلا أن تلك الرؤية اليسارية تتصف بالخطورة أيضا، فعلى الرغم من أنها ترتدي رداء الدعوة لتحقيق العدالة في توزيع الثروة العالمية، وهو ما قد يلقي كثيرا من القبول والدعوة من قبل الدول الأقل قدرة على زيادة ثروة مواطنيها، إلا أن هذا الاتجاه لن يتردد في تحطيم الثروة الدولية إذا ما عجز عن توزيعها بشكل أكثر عدالة.