&خالد العضاض& & &

أعجبني في الشاب سالم احترافيته، وفخره بالانتماء للخطوط الجوية السعودية، وبطموحه العالي، وأعطاني أملا كبيرا بأن الشاب السعودي متى ما أعطي الثقة الكاملة ملكتَ به كل شيء

كنت أقول: لا ينقصنا الولاء لكل ما هو سعودي، أو كل ما يحمل اسم السعودية، وأبرز الأمثلة على ذلك: الخطوط الجوية السعودية، وغيرها ممن يقدمون الخدمات تحت اسم السعودية، ولكن ينقص مقدمو هذه الخدمات كثيرا من الولاء للسعودي مواطنا ومقيما، ربما نظرتي هذه في سبيلها للتغير إلى الأحسن، ودعني أولا عزيزي القارئ أقر أن مقالي هذا قد يثير البعض سلبا إن كان في سبيل الثناء على أداء بعض مزودي الخدمات في السعودية، لا لشيء إلا لأن الحسنات متوارية وراء كم كبير من الأخطاء الفردية والأخطاء العامة الناجمة عن عدم التركيز على تقديم الخدمة بشكل محترف، وعدم قياسها بمعايير دقيقة تخضع للمراجعة والتقييم ثم التقويم بصفة دورية، وفي ظني أن التطور والسعي نحو الأفضل ليس على درجة كبيرة من الصعوبة، إذ إن نماذج النجاح منتشرة ومتوافرة من حولنا بشكل كبير، ولن نعجز عن نقل التجربة وتطويرها على الأقل، ومع هذا أرى كل مرة أن هناك بوادر رائعة تشي بجهد كبير يُعمل بعيدا عن الأعين، ويظهر بشكل متدرج، ونأمل تصاعد هذا الأداء حتى يتجاوز كل السلبيات التي نعانيها عند التعامل مع مزودي تلك الخدمات، تداعت إلى ذهني هذه المعاني وأنا أدخل الصالة الخامسة في مطار الملك خالد الدولي، بعد رحلة عمل قصيرة جدا ومتعبة جدا، ولكن ما خفف العناء والتعب، هم الموظفون السعوديون مقدمو الخدمات في مختلف القطاعات العاملة في المطار، حيث كانت البداية مع موظفي الجمارك السعودية في المطار، إذ وصلت متأخرا عن موعد دوام من يجب أن أقابله من الموظفين المختصين، فتلقفني الشباب السعودي العاملون في الجمارك، للتسابق على خدمتي، وتجاوزوا مسألة أنني أتيت بعد انتهاء عمل الموظف المختص، وكانت الاتصالات تجري من هنا وهناك وبجوالاتهم -وكلي خجل من ذلك، وحينما أعرض عليهم جوالي لاستخدامه في المكالمات يَحِيدون عني ليستمروا بالاتصال من جوالاتهم-، ولا أسمع منهم إلا استرح ونحن نقوم بالباقي، وهذا ليس من عملهم ولا علاقة لهم به، وكان أبسط ما يمكن أن يقوله أحدهم: راجع الموظف المختص يوم الأحد فهو في عطلة نهاية الأسبوع، ولكن الحال انقلب إلى استرح ونحن نقوم بالأمر كاملا، وانتهى هذا الأمر إلى: اذهب إلى بيتك، ويوم الأحد حاجتك على أكمل وجه ستكون بين يديك، وهو ما كان، أربعة شباب لا أعرفهم ولا يعرفني منهم أحد، أحدهم من منطقة الرياض، والثاني والثالث من الجنوب، ورابع عن طريق الجوال من القصيم، بعدها رميت همَّ هذا العمل وانتقلت لقضاء عمل آخر، وبعد إنهائه رجعت للحاق بالرحلة العائدة إلى القصيم، وبعد إنهاء الإجراءات ودخولي للصالة البديعة -الصالة الخامسة- في مطار الملك خالد الدولي، والتي يمكن أن تقضي فيها أياما بلا ملل أو كلل، لجودة التصميم والتنفيذ في البناء، ولجودة توزيع الخدمات وتوافرها بشكل لا يخطر على البال، وهذا من الإتقان الذي نتطلع إليه -نحن المستفيدين- من الخدمة، أنهيت إجراءات شحن أمتعتي، وبعد دفع قيمة الوزن الزائد كانت عملية نقل الأمتعة إلى الحاويات التي ستُنقل بدورها إلى الطائرات المختلفة بحسب الرحلات تتم عبر خط واحد وصف من المسافرين طويل، وهنا بدأت تتلاشى الصورة الجميلة، ولكن أعادها إليَّ مرة أخرى الشباب السعودي الذين كانوا يشرفون على الصالة وقتها، ابتسامة عريضة طوال الوقت، هندام مرتب وأنيق، شكل جذَّاب، شخصية عالية الثقة والاعتداد بالنفس، وكأنه يقول لك بلا كلمات: أنا سعودي مرفوع الرأس دوما، ثلاثة أشخاص أو أربعة أحدهم بلباس مدني، يتضح من البطاقات المعلقة على صدورهم بوضوح أنهم تابعون للهيئة العامة للطيران المدني كانوا يتعاملون مع جمع غفير من مختلف الجنسيات والثقافات بذات الروح، وذات الابتسامة، تقدمت لأحدهم شاكيا من هذا العملية المزعجة المملة في أمر لم يكن ذا بال في المرات السابقة، فاعتذر بلطف، وقال: توكل على الله إلى الصالات الداخلية، وأنا أتابع أمتعتك حتى تشحن، وهنا أخذتني المثالية وقلت: أنا أتحدث معك نيابة عن الجميع وليس عن نفسي، فقال: الجميع كما ترى كل يحمل أمتعته بنفسه إلا أنت وعدد قليل معهم من يحمل أمتعتهم -يقصد من العمالة التي تساعد على حمل الأمتعة والذين وفرتهم الهيئة في المطارات-، وأنا سأتابع أمتعتك حتى يأتي دورها، حتى أُطَمئِنك فقط، أعجبتني الفكرة، وودعته شاكرا فضله ولطفه.


وعندما حان وقت الصعود للطائرة، وجلست في مقعدي، دخلت بعدي مباشرة امرأة مسنة، وكانت وحدها، وكانت خفيفة الظل ومتطلبة بعض الشيء، فتلقاها أحد مضيفي الرحلة من الشباب السعودي، بكل تبجيل واحترام، وبدأ أول الطلبات من السيدة العجوز: «لا يجلس بجنبي رجَّال»، فجاءها الرد اللبق: سمي وأبشري يا أمي، بدأت العجوز فيما يبدو تصور بعض اللقطات على تطبيق سنابشات -فيما بدا لي- صوتها عالٍ وواضح أنها تشرح لمتابعيها شيئا ما، واستمرت على هذا المنوال، وهذا الشاب يتعامل معها كما لو كانت أمه، فعلا غبطة أن تتمكن من تقديم الخدمة للناس بكل هذا الحب والتفاني كما لو كانوا ضيوفا في بيتك، ناديت المضيف والذي اتضح أنه المشرف على الرحلة، لشكره على هذا التعامل الراقي الجميل، وقلت له ما اسمك أولا؟ فقال: بكل اعتداد أنا سالم عمر باجابر، فقلت: كم عمرك يا أخ سالم؟ قال: 35 سنة، فشكرته على هذه الأريحية والحب والجمال في الأداء، وقلت له بك وبزملائك السعوديين، وبهذا التفاني بالعمل، تقدمون خدمة جليلة لأنفسكم ولوطنكم ثم للجهة التي تعملون بها، أعجبني في الشاب سالم احترافيته، وفخره بالانتماء للخطوط الجوية السعودية، وبطموحه العالي، وأعطاني أملا كبيرا بأن الشاب السعودي متى ما أُعطي الثقة الكاملة ملكتَ به كل شيء.
أعود إلى ما أشرت إليه سابقا، وهما مسألتا التقييم والتقويم عبر مؤشرات الأداء، فأقول إنهما أحد أهم الأدوات الفاعلة للتحقق من مدى تحقيق الأهداف، وأحد أهم تقنيات تطوير الأداء المؤسسي، وكما يقول الخبراء العارفون: «ما نستطيع قياسه نستطيع تعديله، وتطويره، والتحكم فيه»، ولا أشك للحظة واحدة بأن مؤسسة عريقة كالخطوط الجوية السعودية ليس لديها مثل هذه المعايير والمقاييس.


وما نطمح إليه -كمستفيدين- من الخطوط الجوية السعودية، هو: تطوير الأداء والخدمات والارتقاء بها إلى أعلى معايير خدمات النقل الجوي، والنهوض بكافة الخدمات قبل الرحلات وأثنائها، بل وبعد الرحلة حتى، بدءا من الموقع الإلكتروني والتطبيقات الذكية ومراكز الاتصال ومكاتب المبيعات، مرورا بالخدمات في صالات المطارات، وعلى متن الطائرات.
كما أشدد على أن المملكة تزخر بكوادر وطنية من الشباب والشابات عالية الكفاءة والذكاء متى ما توافر لهم التأهيل، وهم ثروتنا الحقيقية التي يتم الاعتماد عليها في تحقيق الإنجازات، متى ما تم تمكينهم، وتمكينهم يتم عبر توفير الوظائف المناسبة، والتأهيل العالي.
والخطوط الجوية السعودية لديها كل متطلبات النجاح والتميز في مجال صناعة الطيران، فلا عذر لهم في تفوق أي شركة طيران أخرى عليهم، أو أن يسبقهم أي أحد على حيازة رضا المواطن والمقيم.
أخيرا، من يعرف للشوق عنوانا، أو من يلقاه في بعض الطرقات، فليقتله ودمه في رقبتي.
&

&