&حمد الكعبي

& هل ثمة مفردات متسامحة، وأخرى متعصبة، نستخدمها تلقائياً، أو بحكم العادة في الكتابة، وفِي حياتنا اليومية، وأصبحت متداولة في قاموسنا العربي الدارج عموماً، وبعضها أمثال شعبية، وعبارات شائعة، تتردد، دون مراجعة وتأمل، لما تعنيه، فنقع في تكرار لغة، لها تأثير سيئ على قارئها وسامعها، لارتباطها بحساسيات دينية، أو ثقافية، أو اجتماعية؟

الواقع، أنها ظاهرة عالمية، وتعرضت لها دراسات كثيرة، رصداً وتحليلاً، وعالجتها تشريعات وقوانين، جرّمت استخدام مفردات وتعبيرات، تنطوي على الكراهية، والإساءة البالغة، إما للأعراق، والمجموعات البشرية، أو للمعتقدات والأديان، أو للخلفيات الثقافية والاجتماعية، فمثلاً، لا تزال الإشارة إلى اللون في الكتابة والكلام، تثير نوازع عنصرية في الولايات المتحدة مثلاً، حيث ينتسب نحو 13%من سكانها إلى أصول أفريقية، وحولها جدل لم يتوقف إلى اليوم.
نحن أيضاً في العالم العربي، في حاجة لمراجعة شاملة، لمفردات شائعة في لهجاتنا المحلية، وتحليلها، اتصالاً بثقافة التسامح، التي نسعى إلى تكريسها واقعاً في تفاصيل حياتنا، وفي أداء مؤسساتنا التشريعية، وقوانينا وأنظمتنا، ولنعترف بأننا نستخدم كلمات مسيئة، تنال من اعتبار وكرامة أشخاص وجماعات وجنسيات وأديان، إما عن عفوية في التعبير، أو قصداً، في كثير من الأحيان.


ففي كل بلد عربي، نجد محتوى لغوياً دارجاً، يناقض التسامح، بما هو «لين وصفح وقبول» وانحياز للعدالة والمساواة، ونبذ للفوقية والاستعلاء، خصوصاً أن لغتنا العربية التي نحتفل بيومها العالمي، تشير إلى أن «التعصب، والتشدد، والتزمت، والتسرع، والجهل» من أضداد «التسامح»، وفقاً لمعجم المعاني.
وفي هذا السياق، فإن الخطاب التكفيري، الذي تبنته وروّجته مراجع متطرفة، وجماعات إرهابية، خلال السنوات الأخيرة، ساهم في تغذية قاموسنا اللغوي المتداول، بأوصاف، وألقاب، بالغة الإقصاء، وتخالف أساساً جوهر التسامح في الإسلام، وسائر الديانات السماوية، فـ«الكافر» أصبح نعتاً رائجاً لكل مَن هو غير مسلم، والأسوأ أن بعض أتباع المذاهب الإسلامية، تبادلوا تكفير بعضهم بعضاً، مثلما التصقت هذه الصفة بمثقفين ومفكرين في العالم العربي، منهم مَن تقدم إلى الاجتهاد في قضايا فقهية، وكان له دور كبير في خدمة الإسلام.
الإمارات من أُولى الدول التي سارعت إلى مواجهة ثقافية وتشريعية مع خطاب التعصب ولغته، عندما أصدرت العام 2015، قانون «مكافحة التمييز والكراهية» الذي يجرم التعبير المضاد لقيم التسامح والتعايش، وحظي بتنويه خاص من المجلس الإسلامي الأوروبي، مع الدعوة إلى تبنيه عالمياً.
في «عام التسامح 2019»، يدور الإطار العام لعمل لجنته الوطنية العليا حول محاور، تشمل المجتمع والتعليم والثقافة والإعلام، وأثق بأن تنقية الخطاب من المحتوى اللغوي غير المتسامح، ستكون أولوية، ولاسيما في المناهج المدرسية، نحو مشروع وطني، ينحاز لجماليات لغتنا العربية، وأيضاً لنموذجنا في التنوير والاعتدال.

&