&إبراهيم النحاس

&

&إذا أرادت قطر دعم القضية الفلسطينية وخدمة الفلسطينيين فإن عليها: التوقف عن دعم الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني، والتوقف عن تقويض السلطة الفلسطينية ومحاربة رئيسها، والتوقف عن استهداف رموز السلطة الفلسطينية، والتوقف عن تبرير قتل الفلسطينيين..

كثيرون هم الذين يدَّعون خدمة القضية الفلسطينية، ولكن أحداث التاريخ تُدلل على أنهم أكثر المتاجرين بها والمستفيدين من استمرارها. خطابات وأقوال الكثير من صُناع السياسة تدعي الدفاع عن أبناء الشعب الفلسطيني، ولكن عملهم الحقيقي على أرض الواقع يُكذب خطاباتهم ويتناقض تماماً مع أقوالهم. إعلام وصحافة الكثير منهم ترفع شعارات نُصرة القضية الفلسطينية ومساندة أبناء الشعب الفلسطيني، ولكن أفعالهم تُناصر عدوهم، ووسائلهم الإعلامية تفسح المجال للأصوات التي تُبرر قتلهم وتنتهك حرماتهم وتتعدى على حقوقهم. للأسف، هكذا هي حال القضية الفلسطينية التي أصبحت لُعبة سياسية في يد المتاجرين بها، وهذه هي حال أبناء الشعب الفلسطيني الكريم الذي أصبح أداة للإثارة العاطفية ووسيلة لتحقيق مكاسب سياسية لضعاف النفوس من السياسيين.

لهذه الحالة السياسية المأساوية والحزينة من القضية الفلسطينية مثالٌ قائم في وقتنا الحاضر ومشهد يصور ذلك التلاعب وتلك الأكاذيب بشكل فاضح والذي يتمثل بالموقف السياسي لدولة قطر. مواقف صُناع القرار القطريين السلبية من القضية الفلسطينية لم ولن تكن غائبة عن ذاكرة الشعوب العربية والإسلامية، ولم ولن يتناساها الرأي العام عربياً وإسلامياً، ولكن ما يجعل من الواجب التحدث عنها هو مدى كذبهم وتضليلهم وافتراءاتهم وتشكيكهم بالمواقف العربية الأصيلة المؤيدة للقضية الفلسطينية والمُساندة حقيقة لأبناء الشعب الفلسطيني. تصريحات وزير الخارجية القطري محمد عبدالرحمن، المعلوم مدى ضعفها ووهنها وانعدام مصداقيتها، تستخف بعقول أبناء الشعب الفلسطيني، وتستصغِر الرأي العام العربي والإسلامي المُطلع على سياسة الدولة القطرية المتشبثة بعلاقاتها مع إسرائيل.

تصريحات أراد منها وزير الخارجية القطري أن يطعن بالمواقف العربية المؤيدة للقضية الفلسطينية ويتهمها بالتطبيع مع إسرائيل، ولكنها لسوء تقديره وضعف ذاكرته جاءت سلبية على دولته، ولتكشف مدى كذب وتضليل سياساتهم. فبحسب وكالة سبوتنيك في 15 ديسمبر 2015م أن وزير خارجية قطر "انتقد تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل، واعتبره تجاوزاً لشروط المبادرة العربية للسلام العربي - الإسرائيلي، وهي التي أقرتها الجامعة العربية في اجتماعها ببيروت في مارس 2002." وقال: إن "مبادرة السلام العربية دعمتها كل الدول العربية، وتشترط الاعتراف بإسرائيل، بانسحابها من جميع الأراضي العربية، التي احتلتها في يونيو العام 1967، لكن منذ انطلاقها لم يحدث اختراق، أو أي إنجاز في القضية الفلسطينية". وأضاف: "نرى أن الكثير من الدول العربية تختار التطبيع مع إسرائيل، قبل حل&القضية الفلسطينية، التطبيع الكامل مع إسرائيل، لا نرى أنه يحدث فرقاً." تعبير يبدو في ظاهره إيجابياً ومُتعاطفاً، ولكن مقاصده تحريضية وأهدافه تخريبية. إنها السياسة القطرية التي اعتدنا عليها، تُخاطب العاطفة الإنسانية إعلامياً، ولكن في باطنها تسعى لتقويض أمن وسلم واستقرار الأوطان وهدم المجتمعات وتشريد الشعوب وتبرير التطرف والإرهاب.

وزير خارجية قطر يحتاج إلى قليل من الوعي ليُدرك أن من أوائل من سعى للتطبيع مع إسرائيل هي دولته التي يتحدث منها ويدافع عنها وقادته الذين يأتمر بأمرهم. ألم تستقبل دولة قطر رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز في 1996م الذي افتتح المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة ووقع عدداً من الاتفاقيات التي تخدم إسرائيل على حساب الفلسطينيين وقضيتهم العادلة. وإذا كان ذلك قبل مبادرة السلام العربية 2002م، ألم تستقبل قطر القائمة بأعمال رئيس الوزراء وزيرة الخارجية تسيبي ليفني في 2008م استقبالاً حافلاً وتحتفي بها وتفسح لها المجال لتتحدث عبر منتديات الدوحة على مدى ثلاثة أيام. وبالإضافة لهاتين الزيارتين عاليتي المستوى سياسياً، هناك العديد من الأبواب القطرية التي تم تسخيِرها لِتستقبل مسؤولين إسرائيليين على مستويات مختلفة، وتستضيف وفوداً إسرائيلية للمشاركة في الأنشطة الرياضية والثقافية. فأبواب التطبيع التي سخَّرتها قطر لخدمة الإسرائيليين تفوق ما تم عمله في الدول العربية التي أقامت علاقات رسمية مع إسرائيل بناء على اتفاقيات السلام الثنائية.

وفي الختام من الأهمية القول: إنه إذا أرادت قطر دعم القضية الفلسطينية وخدمة الفلسطينيين، فإن عليها: التوقف عن دعم الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني، والتوقف عن تقويض السلطة الفلسطينية ومحاربة رئيسها، والتوقف عن استهداف رموز السلطة الفلسطينية، والتوقف عن تبرير قتل الفلسطينيين بعدم استضافة عدوهم وقَتلتهِم وإتاحة المساحة الإعلامية لهم للتهجم على الفلسطينيين، والتوقف عن استقبال الوفود الإسرائيلية بمختلف مجالاتها، والتوقف عن زعزعة أمن وسلم واستقرار الدول العربية وتقويض الأمن القومي العربي، التوقف عن استضافة وإيواء ودعم العناصر والجماعات والتنظيمات المُتطرفة والإرهابية، والتوقف عن تنفيذ الأجندة الإيرانية المُتطرفة على الساحة الفلسطينية. هكذا يكون دعم القضية الفلسطينية ومساندة الفلسطينيين. ولعل مُخرجات "قمة القدس" التي عقدت في أبريل 2018م بمدينة الظهران كَفِيلة بتعريف من لم يعرف كيفية خدمة القضية الفلسطينية ودعم أبناء الشعب الفلسطيني الكريم.